سانتياغو تعالج قضية جودة الهواء عبر تكنولوجيا النقل العام المُحسّنة

سانتياغو تعالج قضية جودة الهواء عبر تكنولوجيا النقل العام المُحسّنة

1 دقيقة قراءة
لتحسين بنية نقلٍ متهالكةٍ تفاقِم التلوث، بدأت مدينة سانتياغو بتشيلي رحلةً تحويليةً تشمل رفدَ أسطولِ النقل بحافلاتٍ حديثةٍ وصديقةٍ للبيئة، وتطويرَ حلول نقلٍ مبتكرة تهدف لتحسين مستوى الحياة اليومية لسكانها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لتحسين بنية نقلٍ متهالكةٍ تفاقِم التلوث، بدأت مدينة سانتياغو بتشيلي رحلةً تحويليةً تشمل رفدَ أسطولِ النقل بحافلاتٍ حديثةٍ وصديقةٍ للبيئة، وتطويرَ حلول نقلٍ مبتكرة تهدف لتحسين مستوى الحياة اليومية لسكانها.

تملك منظومة النقل العام القدرةَ على تقريب المسافات، أو جعلِها أبعدَ بكثيرٍ مما هي عليه، وفي بعض البلدان، تؤدي هذه المنظومات دوراً في اتخاذ الناس قراراتِهم، فقد يمكّن قطارٌ طالباً من ارتياد كليةٍ بعيدة، وقد يَحولُ خطُّ سير حافلةٍ بين عاطلٍ وفرصة عمل.

تلك هي درجة أهمية منظومة النقل العام في عاصمة تشيلي، سانتياغو، التي يقطنها 7 ملايين نسمة، فيمثّلون 40% من سكان تشيلي ويجعلون مدينتهم المحاطة بالجبال واحدةً من أكبر التجمّعات الحضرية في أمريكا الجنوبية.

كلّ يوم، تعبر 6800 حافلةً شوارعَ هذه المدينة، فتحافظ على زخم الحياة فيها، لكنّ هذه الحافلات اليوم تواجه منعطفاً حاسماً، فقد وصلت إلى نهاية عمرها الافتراضيّ، ما خفّض جودة الخدمات وعرقل أعمال الركاب وتسبّب بمزيدٍ من التلوث والضوضاء والحوادث المرورية، ووضع السلطات أمام تحدٍّ كبير يهدّد نوعية الحياة في المدينة، التي تحتلّ، منذ مطلع التسعينات، مرتبةً متقدّمةً بين العواصم الأكثر تلوّثاً في أمريكا اللاتينية، حيث أشارت إحصائياتُ سنواتٍ سابقة بأنّ تلوّث الهواء كان يسبّب الموت المبكّر لأكثر من 4 آلاف شخصٍ سنوياً، وهذا ما أرهق القطاع الصحيّ، وكلّفه قرابة 670 مليون دولار. ثم بلغت المشكلة ذروتَها في العام 2015، حين اضطرت 1300 شركةٍ للإغلاق، وخرجت 40% من السيارات عن الخدمة عقب إعلان حالة الطوارئ البيئة.

أمام هذا المشهد المعقّد، انطلقت حكومة سانتياغو في رحلة تجديد البنية التحتية للنقل للوصول إلى منظومةٍ مستدامةٍ وفعّالة.

ولكونها اقتصاداً ناشئاً، ومستورِداً لا مُنتِجاً للحافلات الحديثة والصديقة للبيئة، كان على حكومة العاصمة التشيلية رسم استراتيجيةٍ خاصة، فالسيارات المتطوّرة في مجتمعها مرتبطةٌ بالدخل المرتفع. لذا، اختارت عمليةً إصلاحيةً متدرِّجة أفضت إلى إطلاق نظام النقل العام المُحَدَّث المكوّن من 350 مساراً تغطّي 2946 كيلومتراً، يديرها 6 مشغِّلين من القطاع الخاص، وتستوعبُ 6756 حافلةً بطاقةٍ تشغيليةٍ تفوق 690 ألف راكب.

وفي العام 2011، شرعت الحكومة في إطلاق المشاريع التجريبية وإجراء دراسات تقييم الطرق وأداء الحافلات، وتوصّلت مثلاً إلى دورة قيادة نموذجية تم تطويرها لتتناسب مع المناظر الطبيعية في سانتياغو، كما حدّدت المواصفات الفنية والحد الأدنى من المتطلبات التشغيلية لمناقصة تجديد الأسطول.

 أفضت هذه الجهود إلى بناء شراكةٍ واسعةٍ بقيادة وزارة النقل مع كياناتٍ حكوميةٍ وخاصةٍ لتأمين خدمات التشغيل والصيانة، وتوقيع اتفاقياتٍ لتوفير الطاقة المتجدّدة بسعرٍ مخفّض، ليولدَ طريق خاص بالحافلات الكهربائية على طول محورٍ رئيسيٍّ في سانتياغو، أفينيدا، غريسيا، وهو يحتوي 40 محطةً تتيح الإنترنت وشحن الهواتف النقّالة بالمجان، وتتوزّع فيها لوحات تبيّن مواعيد الرحلات، ويتضمّن بعضُها نقاط دفعٍ حصرية. وكلُّ محطةٍ مزوَّدةٌ بمنظومة طاقةٍ شمسيةٍ خاصةٍ تغطّي احتياجها من إنارةٍ وتشغيل معدّات، كما أنّ جميعَها يتيح الوصول السهل للخدمات لمستخدمي الكراسي المتحرّكة.

وفي العام 2018، تبنّت سانتياغو المعيار الأوروبي السادس للانبعاثات قبل أيّ مدينةٍ لاتينيةٍ أخرى، ومنعت السيارات التي لا تستوفي المعيار الخامس، ثم فرضت على السائقين ضرائب تتناسب مع مقدار انبعاثات أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكربون. والفرق بين المعيارَين هو أنّ السادس يُلزم أصحاب السيارات بتركيب مرشِّح المواد الجسيمية الذي يخفّض ما يصل إلى 90% من انبعاثات هذه المواد.

 كانت تلك مقدّمةً لإدخال 400 حافلةٍ كهربائيةٍ، أي حوالي 6% من منظومة النقل العام، إلى جانب 600 حافلةٍ تستوفي المعيار الأوروبي السادس.

عبرت هذه النقلة النوعية سلسلةً من التحديات، أوّلها أنّ إدارة عملية استيرادٍ ميسورةٍ أمرٌ صعب، لكنّ تشيلي مرتبطةٌ باتفاقيات تجارةٍ حرةٍ مع الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ما منحها المرونة في اختيار الأسعار الأنسب. وجاء نموذج العمل ليَفصِل ملكية الحافلات عن تشغيلها وصيانتها، بحيث يشتري مشغِّلو القطاع الخاص الحافلات ويقدّمونها لمشغّلين من القطاع الحكوميّ عبر عقد إيجارٍ يَنظُم العلاقة بين الشريكين.

أمّا التحدّي الثاني، فهو مخاوف المستثمرِين على أموالهم التي ينبغي أن يسدِّدها المشغِّلون، لا سيما أنّ نموذج الأعمال الجديد يسمح لأيّ طرفٍ ثالثٍ بشراء الحافلات وتشغيلِها، وهذا ما عالجته وزارة النقل بتقديم الضمانات الاحتياطات بتغطية تكاليف الاستثمار في حالة توقّف أيّ مشغِّلٍ عن تسديد التزاماته.

ولم تسلم المنظومة من انتقاداتٍ عديدةٍ تناولت أحجام الوحدات العاملة، وصعوبةَ إدارة هذه الحافلات إلى جانب عبء العمل الأصليّ، إلى جانب المسائل القانونية المتعلّقة بمدة التعاقد الطويلة مع المشغِّلين. وسيكون على السلطات إنجاز إصلاحاتٍ جوهريةٍ متنوِّعة، كرفدِ الكوادر الإدارية والتشغيلية بأقسامٍ منفصلةٍ تُعنى بإدارة الحافلات الحديثة ووضع أسس تعاقدٍ جديدةٍ لفتراتٍ أقصر، وهي 14 عاماً للحافلات الكهربائية و10 أعوامٍ لحافلات الديزل، إلى جانب تقديم حوافز لتشجيع العاملين والمستثمرين.

وبعيداً عن سانتياغو، قد تكون مهمة حكومة تشيلي أكثر تعقيداً في المدن والبلدات المفتقرة إلى منظوماتٍ رسميةٍ للنقل العام، فتكثر الأطراف الفاعلة ويصعب إجراء التغييرات ويتخوّف المستثمرون من المحاولة، وهذا يحتاج جهداً مضاعفاً من الحكومة المركزية لتكرار تجربة سانتياغو وأسطول حافلاتها الكهربائية الذي صُنِّف في العام 2019 أكبرَ أسطولٍ خارج الصين.

يمكن القول إنّ سانتياغو كسرت عدة أرقامٍ قياسية بعد أعوامٍ من العمل وقدّمت حلولاً مبتكرةً إداريةً وتنفيذية وترسّخت نموذجاً للمدن الأخرى، وهي تطمح للعبور إلى العام 2035 بمنظومة نقلٍ عامٍ كهربائيةٍ بالكامل.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

من شبكةٍ غير رسميةٍ إلى منظومةٍ متكاملة … ثورة الحافلات الصغيرة في جاكرتا

في سعيها لحل تحديات النقل الحضري التي واجهتها لسنوات، قررت جاكرتا، عاصمة إندونيسيا، مقاربتها بتبنّي النهج الشموليّ الذي يدمج منظومات النقل المختلفة ويوحّد إجراءاتها التشغيلية ليضاعف عددَ المستفيدين منها في غضون أربع سنواتٍ فقط.

 · · 18 سبتمبر 2024

مدينة شارفت على الجفاف: دروس مستفادة من تجربة كيب تاون في تجنب أزمة المياه

تحرصُ المدن الكبرى على التخطيط والاستثمار لضمان توفير أهم مورد طبيعي لسكانها، وهو المياه، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها تغير المناخ، الذي يؤثر سلباً على صعيدين. فهو يؤدي إلى شح المياه، وهو أيضاً يساهم في تعجيل التضخم السكاني بسبب الهجرة المتنامية لسكان القرى والأرياف نحو المدن، مع تراجع الظروف المناخية المناسبة التي تعتمد عليها […]

 · · 22 أغسطس 2024

سدّ فجوة التوظيف عبر مشروع وحدات التوظيف المتنقّلة في فينيكس

لمواجهة تحدٍّ صعب، أطلقت بلدية مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكيّة مشروعَ وحدات التّوظيف المتنقّلة، التي تأخذ بيد الباحث عن عملٍ عبر التدريب والتوجيه والدعم إلى أن يعثر على فرصته، مُحدِثةً تحوّلاً من النماذج المركزيّة الثابتة إلى الأساليب الديناميكيّة الموجّهة نحو المجتمع، ومقدِّمةً دروساً قيِّمةً في الإدارة الحَضَريّة وتقديم الخدمات العامة، في تجربة أوصلتها إلى تحدّي رؤساء البلديّات العالميّ.

 · · 23 يوليو 2024

رؤية "صفر نفايات": حالة إدارة النفايات المبتكرة في كيل

في ظل تفاقم ظاهرة التغير المناخي، تبنت مدن العالم مجموعة من الحلول للتعامل مع مشكلة النفايات، ومع ذلك بقيت تلك الحلول جزئية، قصرت عن معالجة المشكلة بشكل كامل. فما تزال مكبات النفايات تلوث التربة والمياه الجوفية، والمحارق تبث غازات الاحتباس الحراري، والفضلات تلوث البحار. لكن مدينة "كيل" الألمانية قطعت شوطاً كبيراً في مسارها لأن تصبح مدينة خالية كلياً من النفايات، أو ما يسمى بمفهوم "صفر نفايات"، وذلك من خلال تطوير استراتيجية شاملة في إدارة النفايات تعالج جميع جوانب انتاج، وإعادة تدوير، وتراكم النفايات، وتساهم في تحويل المشكلة إلى فرص اقتصادية مستدامة.

 · · 24 يونيو 2024

شكلٌ جديدٌ للشحن الحَضَريّ، حلولٌ رائدةٌ لمدنٍ أكثر استدامة

لمواجهة تحدٍّ بيئيٍّ متصاعدٍ يفرضه الشحن الحضريّ، تعمل حكومات مدنٍ عديدةٍ مثل روزاريو وبوغوتا وكوتشي وشيملا وباناجي على لعب دورها الحقيقيّ عبر التكنولوجيا الذكية والتخطيط الحضريّ المستنير وتشجيع الممارسات المستدامة وتصميم السياسات وسنّ القوانين وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص وغيرها. وذلك لبناء مستقبلٍ أكثر استدامة.

 · · 5 يونيو 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right