دول آسيوية تعلّق آمالها على الحافلات ذاتية القيادة

دول آسيوية تعلّق آمالها على الحافلات ذاتية القيادة

1 دقيقة قراءة
يبدو أنّ المركبات ذاتية القيادة هي مستقبل النقل. قناعةٌ توصّلت إليها دول آسيوية عدّة أبرزُها كوريا الجنوبية والصين واليابان، وكلٌّ منها تعمل بدأب لتغيير شكل منظومة النقل عبر إجراء التجارب وسنّ التشريعات وتطوير التقنيات.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

يبدو أنّ المركبات ذاتية القيادة هي مستقبل النقل. قناعةٌ توصّلت إليها دول آسيوية عدّة أبرزُها كوريا الجنوبية والصين واليابان، وكلٌّ منها تعمل بدأب لتغيير شكل منظومة النقل عبر إجراء التجارب وسنّ التشريعات وتطوير التقنيات.

تغيّر التكنولوجيا الذكية معاييرَ الحياة، فتملي على الناس سبل معيشتهم وتنقلهم وعملهم وعلاقتهم بما حولهم. وعلى الطرق، منحت هذه التكنولوجيا إدراكاً جديداً للنقل، من مساعدة السائق على القيادة إلى استبداله كلياً.

مفهوم المركبات ذاتية القيادة جديدٌ نسبياً، لكنّه معروفٌ للجميع، فهذه المركبات تستطيع استشعار البيئة المحيطة والتحرّك دون تدخّل بشريّ، أو بالحدّ الأدنى منه. وتنقسم الآن إلى 3 فئاتٍ رئيسية، وهي السيارات الخاصة والمشتركة (أي سيارات الأجرة) والحافلات. لكن، لكي في الواقع، فإنّ منظومة نقلٍ عام تعتمد بالكامل على الحافلات ذاتية القيادة قد لا تخلو من الشطط، فهي تعني وضع الأرواح في أيدي تقنيةٍ لم تكتمل بعد، وما تزال عاجزةً عن التأقلم مع ظروف السير المختلفة، ولم تحقِّق بعدُ معاييرَ الأمان المطلوبة، ناهيك عن البنى التحتية المكلفة التي تحتاجها والأيدي العاملة المؤهلة التي ستخسر وظائفها إذا ما حلّت الآلة محلّها.

لكنّ الأثر البيئي الإيجابيّ الذي سيحقّقه هذا الحلم إذا تحقق يستحق المحاولة، وذلك طبعاً بعد تحقيق الشروط الثلاثة الرئيسية على الأقل، وهي التقنية والإطار التنظيمي وقبول الناس. وصوبَ هذا الهدف، بدأت حكومات عديدة إجراء التجارب لاختبار المفهوم وتطويره.

البداية من صاحبة الريادة، كوريا الجنوبية، إذ أطلقت حكومة العاصمة سيول أول خدمةٍ للحافلات التجارية ذاتية القيادة على نطاقٍ ضيق، حيث ستقتصر الرحلة على حوالي 3.5 كيلومتر تتوقّف خلالها في محطتين ولا تُقِلّ أكثر من 7 ركاب يستطيعون حجز مقاعدهم عبر تطبيق ذكي. وستتحرك الحافلة، التي ستُقِلّ الركاب مجاناً خلال الفترة الأولى، بسرعةٍ منخفضةٍ ضمن منطقة سياحية وتجارية مزدحمة في مركز المدينة.

تحقّق هذه الحافلات المستوى الرابع من القيادة الذاتية، بمعنى أنّ برمجياتها تستطيع تولّي زمام الأمور. لكن حرصاً على السلامة، سيبقى السائق موجوداً ليتولى القيادة في الأجزاء المزدحمة حيث ينتشر المشاة والشاحنات والدراجات النارية. وتتضمّن الحافلة 12 كاميرا و6 أجهزة استشعار تدرس حالة الطريق وإشارات المرور، وهي تقدّم تجربة سياحية عبر نوافذ كبيرة وفتحة سقف تتيح للركاب الاستمتاع بمعالم المدينة.

بميزانية تقارب 900 مليون دولار، تحثّ كوريا بقطاعَيها الحكوميّ والخاص الخطى لتحقيق طموحها بنشر المركبات ذاتية القيادة على كلِّ طرقها بحلول العام 2026، ومن بينها 400 حافلة وسيارة أجرة.

أما التجربة الثانية، فكانت في الصين التي تبذل حكومتها جهوداً حثيثة للتعاون مع القطاع الخاص والمبتكِرين وتشجيع المستهلكين. وينصبّ تركيز وزارة النقل الصينية على صوغ السياسات ووضع الإرشادات الوطنية، ذلك أن معيار النجاح الأول لديها هو الأمان والبيئة المنظّمة. وبعد أن سمحت بعمل عشرات الحافلات وسيارات التوصيل وأول سيارة أجرة ذاتية القيادة بالكامل، تخطِّط الآن لنشر الحافلات ذاتية القيادة على طرقٍ مغلقةٍ خاصةٍ بها، والسماح لسيارات الأجرة بالعمل في الشوارع الأكثر أماناً ورقابة.

مؤخراً، عدّلت الحكومة الصينية قانون السلامة المرورية، بحيث يضع معايير إلزاميةً للمركبات على الطرق السريعة وفي الشوارع التي تختارها الحكومة المحلية. ولعلّ أهمّ ما يقدّمه التشريع الجديد هو تحديد المسؤولية عن المخالفات والحوادث المرورية في حال كانت هذه المركبات طرفاً فيها، فالأخيرة مُجهّزةٌ بأنظمة مراقبةٍ حية وقادرةٍ على تسجيل البيانات لدقيقة ونصف على الأقل قبيل وقوع حادث أو فشل في النظام. وهذه الميزة شرط لمنح تصريح الاختبار.

كما أضافت بعض المدن تفاصيل أخرى وفق خصوصيتها، كمدينة تشونغتشينغ التي لا تسمح للحافلات بالتحرك دون وجود سائق أمان، والتي أنشأت مركز قيادةٍ يتلقّى المعلومات من أجهزة الاستشعار والكاميرات الموزّعة عبر المدينة لضمان سير النظام بأفضل شكل ممكن. أما مدينة قوانغتشو مثلاً، فاشترطت أن يكون ركاب الحافلات العامة راشدين وأصحاب سلوكٍ حضاريّ، فهي تستعد لنشر 260 مركبة ذاتية القيادة على طرقها العامة قبل نهاية العام الجاري، وتحاول في مشاريعها التجريبية تغطية مجالاتٍ عدةً كالشحن ونقل البضائع والخدمات اللوجستية ونقل الحاويات في الموانئ وغيرها.

تتشابه هذه التجربة مع تلك التي يشهدها مطار العاصمة اليابانية، فبعد 4 سنواتٍ من الاستعدادات، ستبدأ الحافلات ذاتية القيادة من المستوى الرابع بنقل الركاب ضمن منشأة المطار، معتمِدةً على شبكةٍ من الكاميرات وأجهزة الاستشعار وأجهزة التتبُّع، وعلى تجاربَ مطوَّلةٍ لأنواع مختلفة من المركبات المستقلة قطعت حوالي 130 ألف كيلومترٍ دون أيّ حادثة، ليقع الاختيار النهائيّ على حافلةٍ تتسع لـ 14 راكب، وتستخدم نظام تحديد المواقع العالميّ ونظاماً احتياطياً يواظب على مسح الطريق أمام الحافلة ليتولّى القيادة في حالة فشل النظام الرئيسيّ. وستنضمّ هذه الحافلة إلى 4 سياراتٍ تقوم بدورياتٍ في محيط المطار و12 عربةً تجرّ حاويات الأمتعة، وكلُّها تعمل بالبطارية، على أمل أن يتضاعف عددُها لتتولّى جميع العمليات الأرضية بحلول العام 2030.

تبدو كلّ هذه الطموحات بعيدةً، قياساً لارتفاع تكاليف البنى التحتية والمركبات نفسها والمخاطر الأمنية المرتبطة بها وفرص العمل الكثيرة التي ستلغيها.

كما أنّ توفر التكنولوجيا والإطار التنظيميّ يبقى غير كافٍ ما لم يتقبّل الناس هذه النقلةَ على نطاقٍ واسع. وهذا ما سيتحقّق في مرحلةٍ متقدّمة مع زيادة عدد هذه المركبات وتطوُّر التقنيات التي تشغِّلها واجتيازها للتحديات الفنية لكي يقتنع الناس بفوائدها.

على المدى البعيد، من شأن الحافلات ذاتية القيادة ترقيةُ منظومة النقل، لا سيما في المدن الكبرى وذات الطابع العالمي، حيث تستطيع تسهيل حركة النقل العام وجعلها أكثر أماناً وتخفيف الازدحام والانبعاثات، ما قد يجعلها فعلاً مستقبل النقل.

المراجع:

https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-12-21/hong-kong-airport-s-robobus-offers-glimpse-of-driverless-future#xj4y7vzkg

https://www.straitstimes.com/asia/east-asia/hong-kong-airport-s-robobus-offers-glimpse-of-driverless-future#:~:text=HONG%20KONG%20%E2%80%93%20Hong%20Kong%20International,been%20years%20in%20the%20making.

https://www.upi.com/Top_News/World-News/2022/11/25/autonomous-driving-buses-shuttles-seoul-hyundai-42dot/6111669369330/

https://www.driving.co.uk/news/technology/china-autonomous-buses-chongqing-fully-charged/

https://www.chinadaily.com.cn/a/202209/28/WS63340a01a310fd2b29e7a426_1.html

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

الرقمنة نحو مجتمع أفضل: الدروس المستفادة من التجربة المكسيكية

على الرغم من كونها عاصمة لأحد أكبر اقتصادات العالم وتمتعها بتاريخ عريق، تواجه مكسيكو سيتي تحديات صعبة من ضمنها الفقر والاكتظاظ السكاني. وفي ظل البيروقراطية وعدم المساواة الاجتماعية السائدة تبدو التحديات كبيرة والحلول مستعصية. لكن بوادر التغيير، وإن كانت بطيئة، بدأت بالظهور بفضل جهود الوكالة الرقمية للابتكار العام التي تشكل تجربتُها حالةً نموذجية تسلط الضوء على أهمية الدعم السياسي والمالي، وتعاون مختلف الدوائر الحكومية، لتوفير خدمات حكومية رقمية فعالة تساهم في تحسين نوعية حياة سكان المدينة.

 · · 18 سبتمبر 2024

التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.

 · · 18 سبتمبر 2024

استخدام مبتكر للبيانات لدعم صنّاع القرار في قطاع الصحة الكندي

شكلت جائحة كوفيد-19 تحديا عالميا غير مسبوق، وكشفت عن نقاط ضعف في صنع السياسات وأنظمة الرعاية الصحية أدت إلى أوجه قصور في إدارة الأزمات. غير أن بعض البلدان لجأت إلى نهج مبتكرة ساعدت على التخفيف من أثر الأزمة وأثبتت جدارتها في أن تصبح جزءا من آليات دعم التأهب لحالات الطوارئ الصحية في المستقبل. كانت كندا واحدة من هذه البلدان ، حيث تبنت البيانات الضخمة لتتبع حركة السكان لإبلاغ عملية صنع القرار في مواجهة COVID-19.

 · · 22 أغسطس 2024

"التنقل كخدمة": الحكومة البريطانية تجمع كل وسائل النقل على منصة واحدة

انطلقت خلال السنوات الماضية مبادرات في عدد من الدول تسعى إلى استثمار التقدم الحاصل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتقنيات الدفع الإلكتروني، في جمع خدمات وسائط النقل المختلفة على منصة واحدة، توفر للمستهلكين سهولة غير مسبوقة في التخطيط لرحلاتهم، واختيار وسائل النقل التي تناسبهم، والحجز، وشراء التذاكر– ضمن ما أصبح يطلق علية تسمية "التنقل كخدمة". لكن هذه التجارب لا زالت في بداياتها، وهي محدودة النطاق بشكل عام نظراً لمجموعة من التحديات. في المملكة المتحدة، حيث تم إطلاق أكثر من مبادرة في هذا المجال، أصدرت الحكومة مؤخراً مدونة ممارسات خاصة بمفهوم وتطبيقات "التنقل كخدمة" كمرجع للمعايير والإرشادات التي تتوافق مع توجهات وطموحات الحكومة لمشهد التنقل في المملكة، خاصة من جهة المحافظة على الشمول المجتمعي، وضمان نفاذ كل فئات المستخدمين للخدمة.

 · · 22 أغسطس 2024

توظيف أجهزة الاستشعار الذكية في بيانات إدارة الطرق

مع تقدم التكنولوجيا في مجال الكاميرات الذكية، وأجهزة الاستشعار، ونقل للبيانات، والذكاء الاصطناعي، بدأت بعض المدن الكبرى بالنظر في استغلال هذه التقنيات مجتمعةً في حل المشاكل الناجمة عن حركة المرور على الطرق الداخلية والمحيطة بها. من أبرز الجهود المبتكرة في هذا المجال مشروعان تجريبيان أطلقهما مؤخراً كل من مجلس مدينة ولينغتون، عاصمة نيوزيلندا، ودائرة النقل في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة.

 · · 23 يوليو 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right