حاسوب فائق لتخفيف الازدحام المروري في مدينة تشاتانوغا الأمريكية

حاسوب فائق لتخفيف الازدحام المروري في مدينة تشاتانوغا الأمريكية

1 دقيقة قراءة
لمعالجة مشكلةٍ متأصِّلةٍ في الحياة الأمريكية، تبحث مدينة تشاتانوغا عن مقاربةٍ ذكيةٍ ومبتكرةٍ للازدحام، وقد وجدت ضالّتها في حاسوبٍ فائقٍ مزوَّدٍ بتوأمٍ رقميّ يراقب حركة المرور عبر المدينة ويجمع البيانات من مصادر متنوّعةٍ لمساعدة المسؤولين في فهم أسباب الازدحام وإدارة منظومة سيرٍ أكثر سلاسةً واستدامة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لمعالجة مشكلةٍ متأصِّلةٍ في الحياة الأمريكية، تبحث مدينة تشاتانوغا عن مقاربةٍ ذكيةٍ ومبتكرةٍ للازدحام، وقد وجدت ضالّتها في حاسوبٍ فائقٍ مزوَّدٍ بتوأمٍ رقميّ يراقب حركة المرور عبر المدينة ويجمع البيانات من مصادر متنوّعةٍ لمساعدة المسؤولين في فهم أسباب الازدحام وإدارة منظومة سيرٍ أكثر سلاسةً واستدامة.

الازدحام المروري مشهدٌ لا بدّ منه في المناطق الحَضَرية المتنامية حول العالم. تبدو هذه الظاهرة نتيجةً حتميةً لأنماط المجتمعات الحديثة وتحدياً للسياسة العامة. وفي حين يستعصي إيجاد حلٍّ نهائيٍّ لها، ثمة أفكار وطرائق عدّة للتخفيف من حدَّتِها.

بالطبع، تتأثر هذه الظاهرة بعوامل كثيرة، وتختلف شدّتُها من بلدٍ إلى آخر، ولعلّه من البديهيّ أن تكون المشكلة أكثر تعقيداً في الدول الكبرى، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تشير التقديرات إلى أنّ المواطن العاديّ يقضي 42 ساعةً سنوياً عالقاً في الاختناقات المرورية، ووفقاً لوكالة حماية البيئة، تنفرد منظومة النقل بـ 26% من إجمالي استهلاك الطاقة و29% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ.

تعاني مدن كثيرةٌ من الاختناقات المرورية، وخاصة تلك التي تقع عند تقاطع الطرق السريعة بين ولايتين أو أكثر، كما في حالة تشاتانوغا، المدينة الصغيرة ذات التضاريس الجبلية والتعداد السكانيّ المتواضع الذي لا يتجاوز 180 ألف نسمة، التي صُنِّفت بين المدن الـ20 الأكثر ازدحاماً متفوِّقةً على المدن الأكبر منها بكثير من حيث المساحة وعدد السكان. وما يميّز تشاتانوغا هو أنّها تضمّ أكثر من 350 تقاطع وتحتلّ المرتبة السابعة في قائمة أكبر ممرات الشحن في البلاد. وعند الحديث عن هذه الممرات في أمريكا، لا بدّ من التنويه إلى كثافة الحركة التي تشهدُها، إذ يعبرها 11 مليار طنٍّ من البضائع سنوياً، ما يعني 32 مليار دولارٍ من النشاط التجاريّ كل يوم.

تقع هذه المدينة بين ولايتَي جورجيا وتينيسي، وتتبع إدارياً للثانية، التي تخسر 1.1 مليار دولار كلّ عام نتيجة الازدحام المروريّ، كما يهدر سكانها حوالي 11.5 مليار لتر من الوقود ويخسرون 8.8 مليار ساعة من الإنتاجية.

بحثاً عن وسيلةٍ لتخفيف الازدحام المروريّ، تعاون مختبر أوك ريدج الوطنيّ والمختبر الوطني للطاقة المتجددة للاستفادة من تمويلٍ مشتركٍ قدّمته الإدارة الفيدرالية للطرق السريعة ووزارة النقل. لعبت هذه الشراكة الاستثنائية وقطاع التكنولوجيا المزدهر دوراً مهماً في تمهيد الطريق لولادة واحدةٍ من أكبر شبكات التقاطعات الذكية على مستوى البلاد.

يستخدم المشروع حاسوباً فائقاً يحمل اسم "إيغل" أي (النسر)، وهو النسخة الأحدث التي طوّرتها فِرَق المختبر الوطنيّ للطاقة المتجددة، وفي وسعه إجراء 8 ملايين مليار عملية حسابية في الثانية وإسقاطُها على البيانات المُدخلة إليه مسبقاً. بهذا تتحوّل البيانات إلى معرفةٍ تراكمية تُبنى عليها استنتاجاتٌ آنية، وهو ما لم يكن متاحاً قبل 5 سنواتٍ فقط.

انطلق العمل في العام 2018، حيث بدأ الفريق بدراسة بيانات حركة المرور المحلية مستفيدين من 500 مصدرٍ بما فيها قواعد البيانات المتاحة لدى وزارة الطاقة وصور الأقمار الصناعية ونظام تحديد المواقع العالميّ والكاميرات الآلية والرادارات ومحطات الطقس والسجلّات التي تبيّن أماكن وجود السيارات، وحتى مشاهدات السكان وعناصر شرطة المرور.

بناءً على هذه البيانات، أنشأ العلماء توأماً رقمياً لحركة المرور، وهو عبارةٌ عن نموذج حاسوبيٍّ ذكيّ يحاكي ما يحدث على الأرض ويتمتّع بميزة التعلم الآليّ، وهو أحد أشكال الذكاء الاصطناعيّ الذي يتيح للنظام المستهدَف التعلُّم من خلال البيانات وليس من خلال البرمجة الصريحة، بمعنى تطوير خوارزميات ونماذج إحصائية تبني عليها أنظمة الحاسوب عمليات اتخاذ القرار وأداء المهام بالاستدلال من النماذج السابقة دون تعليماتٍ واضحةٍ تخصّ كلّ حالةٍ على حدة.

تقدّم هذه المنظومة للفريق رؤية شاملةً ومباشرة لحركة المرور بكلّ تفاصيلها، ويُستخدم الرقميّ لقياس تأثير الاستراتيجيات والمخططات المُقترحة، عبر إدخال هذه التعديلات افتراضياً على النموذج الإلكترونيّ الذي سيعطي نتائج تحاكي تماماً ما سيحدث فيما لو طُبِّقَ على أرض الواقع.

هنا، بدأت أنماط المرور الإشكالية بالظهور، ليعملَ الفريق على تحليلها ويتوصّل إلى مسبّبات الاختناقات المرورية مثل توزُّع إشارات المرور على أحد الطرق الفرعية المؤدية إلى وسط المدينة، وغياب التنسيق بينها، وهذا ما تمّ حلُّه بالعودة إلى وحدات التحكّم بإشارات المرور وإيجاد المعادلة المثالية التي تنظم توقيت عمل إشارات المرور.

لعلّ أبرز التحديات التي تواجه تقنية التعلّم الآليّ هو أنّها لا تستطيع تحديد سبب المشكلة أو الظاهرة التي ترصدها، لكنّها تقدّم ما يكفي من البيانات الدقيقة التي تساعد الخبراء على ملء هذه الثغرة. وبمجرد تحقيق ذلك، فمن شأن تغييرٍ بسيطٍ أن يعود بأثرٍ كبير، مثل الحالة المذكورة المتعلّقة بتعديل نظام إشارات المرور في أحد الشوارع، والذي أدى إلى توفير 16% من استهلاكه للطاقة. لذا، يدرس الفريق إمكانية تطبيق هذه التقنية في شوارع أخرى لكي تصل هذه النسبة إلى 35%، وهو الهدف الذي سيجري تحقيقُه خلال العامين المقبلَين.

تتنوّع أهداف هذا المشروع، فوفقاً للتقديرات، سيساهم نجاح التجربة في تخفيض استهلاك قطاع النقل للوقود بنسبةٍ تقارب 20%، وكذلك سيخفّض انبعاثات السيارات على مستوى الولايات المتحدة ككلّ.

علاوةً على ذلك، فإنَّ إزاحة عبء الانتظار سيزيد إنتاجية المواطنين، ومن المتوقّع أن يعود هذا على خزينة الدولة الأمريكية بـ 100 مليار دولار خلال العقد القادم. كلّ ذلك مرهونٌ بنجاح تجربة تشاتانوغا تمهيداً لنشرها في المدن والممرات الإقليمية عبر البلاد.

المراجع:

https://www.vanderbilt.edu/sustainability/2017/07/traffic-costs-tennessee-cities-more-than-1-1-billion-annually/
https://www.nytimes.com/2019/01/21/upshot/stuck-and-stressed-the-health-costs-of-traffic.html

https://www.scientificamerican.com/article/unsnarling-traffic-jams-is-the-newest-way-to-lower-emissions/

https://www.ornl.gov/news/clearing-congestion-ornl-computing-researchers-help-unclog-traffic-jams

https://www.weforum.org/agenda/2021/05/supercomputer-reduces-traffic-jams-cities/

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

دروس في الاقتصاد الدائريّ نستقيها من التجربة الفنلندية

في سعيها للحد من استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2035، انطلقت فنلندا في رحلة الاقتصاد الدائريّ بعد أن رسمت خريطة طريقٍ واضحةً تتعاون فيها القطاعات، وتنظِّمها سياساتٌ منفتحة، ويدعمها مجتمعٌ محليّ تتم تَنشِئَتُه على ثقافة الاستدامة.

 · · 29 يناير 2024

مدن توظف تحليل البيانات للتصدي لظاهرة التشرّد

بعد سنواتٍ من مكافحة ظاهرة التشرّد، بدأت بعض الحكومات المحلية في بريطانيا وأمريكا بالنظر إلى القضية من زاويةٍ مختلفة. وبدلاً من البحث عن المتشرّدين في الشوارع لنقلهم إلى الملاجئ، باتت تستخدم النمذجة وتحليلات البيانات للتنبّؤ بأولئك المُهدَّدين بالتشرّد ومساعدتهم قبل أن يخسروا أمانَهم.

 · · 29 يناير 2024

الولايات المتحدة تعتمد الأتمتة لتسريع مشاريع الطاقة الشمسية

لحثِّ الخطى صوب الحياد المناخي، الهدف المرجو لمنتصف القرن الحادي والعشرين، ابتكرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسيلةً جديدةً لتخفيف عبء البيروقراطية عن أصحاب مشاريع الطاقة المتجددة، الشمسية على وجه الخصوص، عبر منصةٍ إلكترونية تدرس خطة المشروع وتمنحه التصريح القانوني تلقائياً، فتختصر وقت المعاملات من أسابيع إلى دقائق.

 · · 22 يناير 2024

اليابان تعلّق آمالها على الهيدروجين لمستقبل أخضر

رسمت اليابان أهدافاً طموحةٍ لمستقبلٍ محايدٍ لمستويات الكربون، فوضعت الاستراتيجية الوطنية الساعية إلى مجتمعٍ قائمٍ على الهيدروجين وبشكلٍ مجدٍ اقتصادياً، فافتتحت محطة عالمية للهيدروجين الأخضر، وأطلقت أولى سفن نقل الهيدروجين المسال، وصمّمت سياسات الدعم الحكوميّ وعقدت الشراكات الدوليّة لبلوغ رؤية العام 2050. عقب الإجماع العالميّ على هدف مواجهة تغيّر المناخ وتحقيق الحياد الكربونيّ، تخرج الحكومات […]

 · · 22 يناير 2024

إندونيسيا تضع البيانات الصحية في متناول أيدي مواطنيها

على خطى التجارب الرقمية الناجحة للدول الأخرى، تعمل إندونيسيا على إنشاء سجلّ صحيّ إلكترونيّ موحّد يتضمّن التاريخ الطبيّ لكلِّ مواطنٍ على حدة، ويتيح مشاركة المعلومات بين المرافق الصحية بسهولة والرجوع إليها وتحديثها في أيّ وقت.

 · · 1 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right