حاسبة البصمة الكربونية لمواجهة تغير المناخ في سنغافورة

حاسبة البصمة الكربونية لمواجهة تغير المناخ في سنغافورة

1 دقيقة قراءة
في إطار التوجُّه العالميّ نحو تحقيق مستويات منخفضة أو صفرية من غازات الاحتباس الحراري، تعمل سنغافورة على إشراك جميع مواطنيها في خفض نسب ثاني أكسيد الكربون، لتشهدَ مؤخراً إطلاقَ "حاسبة البصمة الكربونية" عبر تطبيقٍ ذكيٍّ يساعد السكان في فهم تأثير أنشطتهم اليومية على البيئة ويرشدهم إلى أفضل الخيارات لحمايتها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

في إطار التوجُّه العالميّ نحو تحقيق مستويات منخفضة أو صفرية من غازات الاحتباس الحراري، تعمل سنغافورة على إشراك جميع مواطنيها في خفض نسب ثاني أكسيد الكربون، لتشهدَ مؤخراً إطلاقَ "حاسبة البصمة الكربونية" عبر تطبيقٍ ذكيٍّ يساعد السكان في فهم تأثير أنشطتهم اليومية على البيئة ويرشدهم إلى أفضل الخيارات لحمايتها.

وأمام خطرٍ داهمٍ كتغير المناخ، وجدت دول العالم نفسَها في سباقٍ مع الزمن لإعادة التوازن إلى البيئة والحدِّ من انبعاثات الغازات الدفيئة. ولأنَّ خفض انبعاثات الكربون إلى الصفر شرطٌ مهم لإيقاف تغير المناخ، فكان لا بدّ من تضافر جهود الحكومات والقطاع الخاص والشركات والمؤسسات للتحوّل إلى الطاقة النظيفة والبنى التحتية الذكية، وللمستهلكين تعديل أنماط حياتهم.

وفي سنغافورة، أبدت نسبةٌ كبيرةٌ من السكان استعداداً لتغيير عاداتهم اليومية والقيام بعمليات شراءٍ أكثر استدامةً بهدف الحفاظ على البيئة، إلا أنّ أغلب الناس لا تمتلك المعرفة والخبرة الكافية بالوسائل المناسبة لتحقيق ذلك، وفقاً لما جاء في دراسة أجرتها شركة "أكسينتشر" (Accenture) و"الصندوق العالمي للطبيعة" (WWF). وكدولةٍ رائدةٍ في دمج أحدث التقنيات في كافة مجالات العمل الحكومي، فإنه يمكن للحكومة السنغافورية الاستفادة من التطبيقات التكنولوجية والهواتف الذكية لتمكين السنغافوريين من تحسين أدائهم بما يتعلق بالحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ.

ولتحقيق هذا الهدف، قامت مجموعة "إس بي" (SP Group) لخدمات الطاقة بإطلاق حاسبةً معززةً حملت اسم "بصمتي الكربونية" وإضافتِها إلى تطبيق خدمات "إس بي"، في نسخةٍ محدَّثةٍ تمت برمجتها وفقاً لعوامل الانبعاثات المحلية، وهذا يشمل – مثلاً – نظام النقل السريع الشامل في سنغافورة الذي يمثِّل أفضل شبكة نقلٍ عامٍ لدولة ذي كثافة سكانيةٍ مرتفعة، والذي يختلف إلى حدٍّ كبيرٍ عن أنظمة النقل العامة في الدول الأخرى التي تعتمد على السكك الحديدية أو قطارات الأنفاق.

ويعود السبب في اهتمام الحكومة السنغافورية بالتأثير على أنماط استهلاك الطاقة لدى الموطنين إلى ارتفاع مستويات استهلاك الطاقة في المساكن بشكل عام. حيث أن خلال الأشهر الأكثر حرارةً من العام، يتزايد استهلاك الكهرباء في سنغافورة، وعادةً ما تسجِّل الأسرة العادية استهلاكاً أكبر بنسبة 7% ما بين شهرَي أبريل وأغسطس، وغالباً ما يُعزى هذا لاستخدام أجهزة التكييف لساعاتٍ أطول. كما أنَّ إجراءات الإغلاق المصاحبة لانتشار جائحة كوفيد-19 رفعت معدّلات استهلاك الكهرباء والماء. ووسطياً، ينتج المستهلِك الواحد أكثرَ من 8 أطنانٍ من الكربون سنوياً، ولتستطيعَ البيئة استيعابَ هذا التأثير، فهي تحتاج إلى أكثر من 400 شجرةٍ مزهرة من أحد أنواع الأشجار المحلية المعروفة بشجرة المطر، بمعدّل 90 شجرةً لكلِّ بيت مؤلف من 4 غرف، حيث تنتج وحدةٌ سكنيةٌ بهذا الحجم قرابةَ 18.3 طناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. ولأنَّ هذا الواقع أكبر من أن يتعامل معه كيانٌ منفرد كهيئة حكومية، فهو يستدعي مشاركة المجتمع بكلّ فئاته.

وقد أتاحت النسخة الأولى من الحاسبة عند صدورها للمستخدمين إمكانية معرفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن استهلاكهم للكهرباء، وأما النسخة المحسَّنة والتي تم إصدارها مؤخراً، فهي تمكِّنهم من رصد الانبعاثات التي تصدر عن استهلاكهم للمياه والغاز أيضاً. حيث تزوِّد الحاسبة المستخدِمين بمعلومات عن الكمية الإجمالية للكربون الذي أنتجته أنشطتهم اليومية، وذلك بالاعتماد على ملف تعريفٍ خاصٍ بكلِّ بيتٍ أو أسرة والذي يتضمن وسائل النقل التي يستخدمونها ومدة الرحلات وتكرارَها وأنشطة العطلات وعادات الإنفاق واستهلاك الطعام وإنتاج النفايات. وبالإضافة لهذا، فإن التطبيق يزود المستخدمين بنصائح عن أفضل خيارات الطاقة النظيفة، ويكافئهم عند تبنّيهم السلوكيات الصديقة للبيئة، كما أنه يدعم وسائل النقل الأخضر من خلال مساعدة سائقي السيارات الكهربائية في العثور على محطّات لشحنِ مركباتهم ضمن شبكة مجموعة "إس بي" المنتشرة في البلاد، لا سيما أنّ هذه السيارات تقطع ما بين 250 و300 كيلومترٍ قبل نفاد شحنِها في بلدٍ يقطع المواطن العاديّ فيه 45 كيلومتراً وسطياً في اليوم، مما يجعل السيارات الكهربائية خياراً مثالياً إلى جانب المشي وركوب الدراجات واستخدام وسائل النقل العامة.

وبمجرد أن ينشئ المستخدِم ملفِّه التعريفيّ، يتولى التطبيق توجيهه خطوةً بخطوة لتبني العادات السليمة بيئياً. وقد أتاح المطوِّرون التطبيق للجميع لتحميلِه واستخدامِه بغض النظر عن مزوِّد الكهرباء الخاص بمنطقتهم أو نوع العدّاد المستعمل، إذ تستطيع العائلات التي ركّبت عدّاداتٍ كهربائية متطورة متابعة قراءاتِ الاستهلاك كلّ نصف ساعةٍ عبر التطبيق، وذلك لرصد أيِّ ارتفاعٍ مفاجئٍ في استهلاك الكهرباء. كما أن هذا التطبيق يوفر خياراً يسمح بمطابقة النسب المرغوبة للاستهلاك الشهريّ مع الطاقة النظيفة، ويتيح للمستخدمين شراء "أرصدةٍ خضراء" ليعوِّضوا استهلاكَهم للكهرباء بإنتاج كميةٍ مكافئةٍ من الطاقة النظيفة.

قد يبدو العملُ على مستوى الأفراد والأُسَر غير مُجدٍ في مواجهة قضيةٍ عالميةٍ بحجم تغيُّر المناخ، لكنَّ الفريق المطوّر لتطبيق "بصمتي الكربونية" يعلِّق آمالاً طموحةً على التأثير الذي تحدثه مبادرات كهذه على سلوك المجتمعات. ولتعميق هذا التأثير، يتلقّى ثلثا السنغافوريين حوافز كنقاط المكافآت والإعفاء الضريبيّ مقابل شراء المنتجات المستدامة أو التبرع بالطعام الزائد للجمعيات الخيرية مثلاً. كما يستطيع المستخدمون عبر متابعة عدّادات الكهرباء إدارة استهلاكهم بشكلٍ أكثر كفاءة. وأما "الأرصدة الخضراء"، فهي تسهِّل عليهم دعمّ الطاقة النظيفة بشكلٍ مريحٍ وآمنٍ وبأقل تكلفة.

وعلى نطاقٍ أوسع، فإن هذا التطبيق يؤسس لدى السكان وعياً أعمق بالتأثيرات البيئية لأنشطتهم اليومية ويحثّهم على إعادة النظر في أسلوب حياتهم وتبنّي سلوكياتٍ توفّر الطاقة والكلفة لخفض انبعاثات الكربون بإجراءاتٍ بسيطة. وبهذا، يمكن لكلِّ مواطنٍ اتخاذ خطواتٍ حقيقيةٍ ومؤثرة لتحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة، ليساهم في تبني نمط حياة صديق للبيئة وضمان مستقبلٍ نظيفٍ وصحيٍّ لسنغافورة.

 

المراجع:

https://www.spgroup.com.sg/wcm/connect/spgrp/78f7d811-9a10-4a3b-b864-a4afd1265117/%5B20200505%5D+Media+Release+-+My+Carbon+Footprint+Go+Green+While+Beating+The+Heat+and+Staying+Home.pdf?MOD=AJPERES&CVID

https://www.eco-business.com/news/will-singaporeans-change-their-lifestyles-to-fight-climate-change-an-app-can-help/

https://www.wwf.sg/?uNewsID=366635

https://mycarbonfootprint.spgroup.com.sg/

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

سنغافورة تعزز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي

كشفت السلطات في سنغافورة عن تطويرها لإطار عمل ومجموعة أدوات اختبار مبتكرة تساعد الشركات في مختلف القطاعات على تعزيز الحوكمة والشفافية والمساءلة في تطبيقاتها للذكاء الاصطناعي.

 · · 29 يناير 2024

التحول الرقمي للقطاع المالي البرازيلي يعزز الشمول المالي

تشهد البرازيل ثورةً في عالم التمويل الرقميّ وتزايداً في أعداد المنضمّين إليه، من خلال حملة إصلاح شاملة تقودها الحكومة، تكثِّف استخدام التكنولوجيا وتركّز على احتياجات العملاء وتجدِّد اللوائح وتطوِّر تطبيقات التحويل الفوري وتحمي مواطنيها من ارتفاع الفوائد وعمليات الاحتيال.

 · · 22 يناير 2024

كيف يساعد الذكاء الاصطناعيّ فِرَق الإطفاء الأمريكية

أمام أخطار كثيرة ومتنوعة تواجه رجال الإطفاء، من الأبنية الآيلة للانهيار إلى حالات الوهج الشديد التي قد تحدث في أي لحظة عند ارتفاع درجات حرارة الحرائق أو حرائق الغابات التي تلتهم كلّ ما في طريقها، لجأت عدة مدن أمريكية للذكاء الاصطناعيّ، بغية ترتيب أولويات هدم الأبنية القديمة، وإرشاد فِرَق الإطفاء في مهامها، والتنبؤ بحالات الانفجار الناتجة عن الحرائق الشديدة.

 · · 19 ديسمبر 2023

مدن ألمانية تحلّ التحديات المعقّدة باستخدام التوائم الرقمية

لأنّ التوائم الرقمية تقدّم نماذج تقنية تدعم التنمية المستدامة المستقبلية، تعمل الحكومة الألمانية باختلاف مستوياتها على إنشاء هذه التوائم، فترسي الشراكات مع القطاع الخاص لتطوير شبكة السكك الحديدية وإدارة شبكات المياه وتحسين جودة الحياة.

 · · 19 ديسمبر 2023

حكومات توظف الابتكار لمواجهة القيادة المستهترة

سعياً لاحتواء ظاهرة القيادة المستهترة التي تعتلي لائحة مسبِّبات حوادث الطرق في العالم، لجأت حكوماتٌ عدّة في كلٍّ من أوروبا وأمريكا إلى الكاميرات الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعيّ، لترصدَ المخالفات وتتكاملَ مع أُطُر ولوائحَ قانونيةٍ صارمةٍ لا تتهاون مع أيّ سائقٍ يعطي لعوامل التشتيت الأولوية على حساب سلامته وسلامة الآخرين.

 · · 4 ديسمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right