لضمان الوصول العادل للقاحات، اختارت حكومة جامايكا استخدامَ التقنيات الرقمية في جدولة اللقاحات وجمع البيانات وإصدار الشهادات وإدارة الموارد الصحية.
أواخر العام 2019، وبينما أخذت أعداد المصابين بكوفيد-19 في الصين بالارتفاع، كانت الإصابات قد بدأت بالفعل بالظهور في نقاطٍ متفرِّقةٍ من العالم لتأخذ بعدها منحنىً متسارعاً لم يستثنِ أية دولة.
بطبيعة الحال، كانت تأثيرات الجائحة في بعض البلدان أشدَّ من غيرها، ففي دولة جامايكا التي تحظى عموماً بمؤشّراتٍ صحيةٍ أفضل من نظيراتها في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ألقت الجائحة بآثارٍ عميقةٍ على الصحة والاقتصاد والرفاهية. فبعد تسجيل أول حالة عدوى في الدولة التي لا يتجاوز عددُ سكانِها 3 ملايين، سرعان ما قارب عدد الإصابات 150 ألفاً مع عدة آلاف من الوفيات، ولم يكد المنحنى يتسطّح حتى عادَ ليرتفع ارتفاعاً كبيراً مطلعَ العام 2021.
مع أنّ معظم المرافق الصحية الفاعلة حكوميةٌ وتتبع لوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية، فإنّ الحكومة تتلقى مساعداتٍ نقديةً وفنيةً من المنظمات الدولية ذات الصلة.
وبعد عامٍ من عبور الجائحة للحدود الجامايكية، بدأت الحكومة بتلقي جرعات اللقاح المُقدّمة من مبادرة “كوفاكس” العالمية الهادفة لتحقيق الوصول العادل إلى التطعيم، والتي سلّمت جامايكا قرابة 1.5 مليون جرعة، وهذا العدد بالكاد يكفي لتطعيم رُبع السكان باعتبار أنّ كلّ شخصٍ يحتاج جرعتَين. بالتالي، فقد واجهت الحكومة صعوباتٍ في توزيع اللقاحات وتحديد المواطنين الأحق به وتنظيم حصولهم عليه. ولم تنتهِ التحديات هنا، فلا بدّ من منح الأفراد الحاصلين على اللقاح شهاداتٍ مُصدَّقةً غيرَ قابلةٍ للتزوير لتمكينهم من إعادة الانخراط في الحياة العامة والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
أمام ضيق الإطار الزمنيّ وانخفاض الموارد، لجأت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية إلى الأدوات الرقمية والمنهجية التعاونية، فتشاركت مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” ومبادرة القطاع الخاص للقاحات لتطوير حلَّين رقميين للمساعدة في إدارة عمليات التطعيم.
في المرحلة الأولى، استعان الشركاء بشركة رائدة في مجال الصحة الرقمية لإنشاء منصةٍ رقميةٍ آمنةٍ ومفتوحة المصدر باسم “كوم كير” لإنجاز حملة التطعيم الوطنية. وقبل ذلك، كان الفريق قد وضع نموذجاً لإعداد 150 مدرب وتزويدهم بالمعرفة والمهارات ليقوموا بتأهيل أكثر من ألف عاملٍ في مجال الرعاية الصحية من الأطباء والممرضين والطواقم الإدارية والفنيين ومسؤولي صيانة المعدات الطبية.
تتيح المنصة الوصولَ المباشر إلى البيانات والمعلومات الرئيسية، كعدد الجرعات التي تلقاها المواطنون، والمضاعفات التي أصيبوا بها، والحسابات الديمغرافية والجغرافية. وتنقسم العملية إلى 3 مراحل، وهي الفحص والتطعيم والمتابعة، حيث تستخدم الطواقم الصحية تطبيقات الهواتف الذكية المرتبطة بالمنصة لتحديد المواطنين الذين يحتاجون إلى تلقي اللقاح، ويتلقى هؤلاء إرشاداتٍ للتوجّه إلى مراكز التلقيح، في حين تتولى برمجيات التحليل مراقبة عمليات التلقيح وتسجيل المواعيد الفائتة وتنظيم الأولويات لتلقيح الفئات والقطاعات الأكثر عرضة للخطر.
أما المرحلة الثانية من الاستجابة، فقد حملت اسم البنية التحتية الرقمية لشهادات التلقيح المفتوحة، وقد طوّرها الشركاء بالتعاون مع مؤسسة الحكومة الإلكترونية، التي اختيرت لكونها عضواً في تجمّع المنتجات الحكومية الرقمية، إلى جانب تمتُّعِها ببُنيَتَين وظيفية وإدارية تمكِّنانِها من التكيف السريع مع واقع كلّ بلد، حيث طُوِّرَت بادئ الأمر في الهند، وأصدرت هناك أكثر من مليار شهادة، واستُخدمت بعدها في دول آسيوية أخرى كالفلبين.
وترتبط المنصتان لتتبادلا البيانات بشكل دائم، وتعتمدان واجهة برمجية لإنشاء الشهادات تلقائياً ضمن الإطار الذي وضعته منظمة الصحة العالمية، والذي يحمل اسم “التوثيق الرقمي لشهادات لقاح كوفيد-19”.
وقد لعب التعاون الثلاثي دوراً حاسماً في نجاح هذا المشروع، فاجتمعت ذهنية القطاع الخاص مع خبرة المنظمة الدولية وتمويلها إلى جانب القدرات الإدارية والقيادية للحكومة الرسمية.
كان ينبغي أن تحتوي المنصة جميع بيانات حملة التطعيم الوطنية لتحقيق السيناريو المثالي الذي يتبنى نظاماً واحداً، لكنّ عمليات التلقيح بدأت قبل إطلاق المنصة بأسابيع. بالتالي، فقد تمّ العمل من خلال نظامين متوازيين، ورقيّ ورقميّ. ولاجتياز هذا التحدي، قام الشركاء بتوظيف فِرَق خاصة للمواظبة على إدخال حوالي 160 ألف سجل إلى النظام الرقميّ في عملية استغرقت أسبوعين.
علاوةً على ذلك، لا تتيح المنصة جدولة جرعات اللقاح، وهذا ما تحاول “اليونيسف” تخطيه حالياً عبر فريقٍ من خبراء اللوجستيات وتكنولوجيا المعلومات والصحة العامة الذين يعملون على وضع نظام الجدولة وتطوير البرامج، خاصةً وأنّ على الحكومة إعداد تقارير يوميةٍ دقيقةٍ عن الحالات على أراضيها، كما تبنّى المشروع نهج التدريب التعاقبيّ الذي يحدّد الموظّفين المميزين ويستعين بهم لتحفيز زملائهم في الاعتياد على النظام الرقمي، بمراعاة الاختلافات في السنّ والخبرة والمعرفة التقنية.
حققت التكنولوجيا لجامايكا فوائدَ فوريةً وأسّست لعمليةٍ آمنةٍ لتحسين سير العمل وزيادة كفاءة التقارير وتوفير الوقت والجهد والتكلفة، ومنحت وزارةَ الصحة الأرضية المعرفية اللازمة لاتخاذ القرارات المستنيرة وتخطيط الاستجابة للظروف الطارئة وغير الطارئة وفقاً للمشهد على الأرض.
ولأنّ هذه الشراكة قد أثبتت أنّ رقمنة المنظومة الصحية وتحديثَها هدف ممكن بعد أن حققت المنصة معايير الإنصاف والشمولية في زمن قصير نسبياً، فهي قد تكون بادرةً لتغير شكل النظام برمته.
المراجع: