تشتهر مدينة إشبيلية كواحدة من أكبر منتجي البرتقال في أوروبا، حيث تنتشر أشجار البرتقال بكثرة في بساتينها وشوارعها، ولغزارة الإنتاج، غالباً ما يكون مآل عشرات الأطنان من ثمار البرتقال الهدر، خصوصاً تلك التي تنمو في شوارع المدينة. وبغية خفض نسبة الهدر السنوي، أوجدت إشبيلية حلاً مبتكراً يتمثل في إنتاج الطاقة من الحمضيات لتغذية بعض مرافق المدينة بالكهرباء.
تكتسي مدينة إشبيلية في موسم الشتاء باللون البرتقالي، حيث تتدلى من أشجارها حبّات برتقال إشبيلية الشهير الذي يحمل محلياً اسم "النارنج". لكن نادراً ما تستهلك إشبيلية هذا المحصول بسبب طعمه المر. وبالرغم من أن إشبيلية تصدّر ثمار البرتقال إلى بريطانيا، غالباً ما تُترك بقية الثمار على الأشجار في المدينة، لتسقط في شوارعها مسببة مشاكل للمارة.
وتفادياً لهذا الهدر، بدأت شركة مرافق المياه في إشبيلية مخططاً تجريبياً يعتمد على استخدام الحمضيات التي يتم جمعها من شوارع المدينة لتوليد طاقة نظيفة لتشغيل إحدى محطات التنقية الخاصة بها. كخطوة أولى، يتم جمع البرتقال ونقله إلى منشأة متخصصة بتوليد الكهرباء من المواد العضوية. وهناك يتم عصره وتخميره واستخلاص غاز "الميثان" المنبعث منه لاستخدامه في توليد الطاقة النظيفة، بينما تُنقل قشوره إلى مصانع الأسمدة العضوية. وتشكّل هذه المبادرة جزءاً من مهمة أوسع نطاقاً لتعزيز الاقتصاد الدائري في المدينة، وتشجيع الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في مجال إنتاج الطاقة النظيفة.
يتم تنفيذ المشروع بالتعاون مع إدارة المتنزّهات والحدائق في إشبيلية وأحد شركات إدارة النفايات المحلية. وينطوي المشروع على عدة أهداف للارتقاء بمستوى الوعي العام بإدارة النفايات وإعادة التدوير، وخفض كمية النفايات في المدينة بشكل عام. حيث قام المعنيون بالمشروع بنشر 340 حاوية في أرجاء المدينة، كما تم توزيع 340 ألف بطاقة إلكترونية خاصة بإدارة النفايات على السكان لتشجيعهم على جمع النفايات البيولوجية وفصلها عن غيرها.
يوظّف مجلس مدينة إشبيلية حوالي 200 شخص لجمع ثمار البرتقال من أكثر من 48000 شجرة في شوارع المدينة. ومن خلال هذه العملية، يتم جمع ما يقارب 5.7 مليون كيلوغرام، حيث يرسل القائمون على المشروع 35 طنًا منها لتوليد طاقة نظيفة لتشغيل أحد محطات معالجة مياه الصرف الصحي.
تدرس بلدية إشبيلية حالياً خطة لتوسيع المشروع واستغلال كمية أكبر من محصول البرتقال السنوي في إنتاج الطاقة النظيفة. وحسب الاختبارات التي أجريت مسبقاً، تبين أن بمقدور كل طنّ من البرتقال أن ينتج 50 كيلوواط أي ما يكفي لتزويد خمسة منازل بالكهرباء ليوم واحد. وتنفيذ الفكرة تقنياً يحاكي إلى حدّ كبير عملية التمثيل الغذائي وتوليد الطاقة في جسم الكائنات الحيّة، حيث تبدأ العملية بتخمير البرتقال، ومن ثمّ استخلاص غاز غني بالميثان (بنسبة 65%)، يستخدم كوقود في محركات توليد الكهرباء. وفي حال تم إعادة تدوير كل برتقال المدينة إلى طاقة نظيفة وإيداعها في شبكة الطاقة المحلية، يمكن تزويد حوالي 73 ألف منزل بالكهرباء لمدة يوم واحد. ولتتمكن إشبيلية من إعادة تدوير كل برتقال المدينة، ستحتاج إلى استثمار حوالي 250 ألف يورو.
ولكن تصب مدينة إشبيلية حالياً اهتمامها على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في بعض مرافقها الحيوية، عوضاً عن تزويد المنازل بالكهرباء. وقد نجحت في تحقيق ذلك في محطة "كوبيرو" لمعالجة مياه الصرف الصحي، حيث تتمتع المحطة باكتفاء ذاتي يعادل 95%. وتنطوي خطة إشبيلية للسنوات القادمة على أهداف تتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في محطات معالجة مياه الصرف الصحي الأربعة الأخرى.
يواكب هذا المشروع الخطة الطموحة التي أطلقتها إسبانيا في عام 2018 لتحويل نظام الكهرباء بالكامل إلى مصادر متجددة بحلول عام 2050 وإزالة الأنشطة التي تعتمد على انبعاثات الكربون من اقتصادها. كما أعلنت إسبانيا أنها لن تمنح تراخيص جديدة للتنقيب عن الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى تخصيص خُمس ميزانية الدولة للمشاريع والابتكارات الهادفة إلى الحد من التلوث البيئي والآثار السلبية لتغير المناخ. وضمن توجه إسبانيا نحو مستقبل قائم على الطاقة النظيفة، أصبح مشروع مدينة إشبيلية ضمن المبادرات السبّاقة في هذا المجال، وأحد الابتكارات نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في منشآتها الحيوية. وتتطلع المدينة إلى تطوير مشروعها في المستقبل وتوسيعه من خلال العمل على ضخ فائض الطاقة المتولد من إعادة تدوير البرتقال في شبكة الكهرباء الرئيسية بحلول العام 2023.
المراجع: