لقد توجهت البرازيل مؤخراً إلى توظيف تقنيات التعرف على بصمة الوجه في المطارات لتسهيل إجراءات المسافرين، حيث يعمل النظام المستحدث على مسح القياسات الحيوية لوجوه المسافرين ومن ثم التحقق من بياناتهم في قواعد البيانات الوطنية.
ولأنّ المطارات مواقع فائقة الأهمية وغالباً ما تعجّ بالمسافرين، فهي تتطلب إجراءات أمنية دقيقةً ومعقَّدةً ومربكةً أحياناً للمسافرين وموظفي المطارات على حد سواء، بدءاً من الحجز وتسجيل الدخول وإنجاز الإجراءات المتعلقة بالأمتعة واجتياز الاختبارات الأمنية ثم إيجاد البوابة الصحيحة، وهي إجراءاتٌ قد يستغرق إنجازُها ساعات قبل دخول المسافر إلى الطائرة، كما يتطلب تنظيمُها جهداً كبيراً من قبل موظفي المطارات. وقد زادت جائحة كوفيد-19 الأمر تعقيداً، حيث طال تأثيرُها حركة الملاحة الجوية تماماً كأيِّ مجال آخر، بسبب فرض قيود السفر وتعطيل حركة الطيران وإغلاق العديد من الدول لحدودها، لذلك توجَّب إيجاد حلول مبتكرة لتعويض الخسائر المادية التي تكبَّدتها شركات الطيران، وتلبية حاجة المجتمعات للسفر جواً من جديد مع ضمان سلامة المسافرين والالتزام بالإجراءات الوقائية.
وفي البرازيل، تعاونت كل من وزارة البنية التحتية وقسم الإدارة والحكومة الرقمية التابع لوزارة الاقتصاد مع شركة "سيربرو" (Serpro)، وهي شركة متخصصة بتكنولوجيا المعلومات في القطاع الحكومي للحد من البيروقراطية في ابتكار حلّ يعتمد على تقنية "الهوية المُعززة" (Augmented Identity)، باستخدام نظام التعرف على بصمة الوجه الذي غدا اليومَ اتجاهاً عالمياً لتسهيل الإجراءات وتأمينها. وقد تم الحصول على البيانات الضرورية لتطوير هذه الخدمة من الحكومة البرازيلية، وإدراجُها ضمن التقنيات التي طورتها عدد من الشركات الخاصة ومنها شركة "آيديميا" (IDEMIA) لإطلاق نظام رقمي متكامل يتم تطبيقه في مطارات البرازيل. وكخطوة أولى خضع هذا النظام لتجربة هي الأولى من نوعها في العالم ضمن رحلات الطيران التي تقطع مسافات قصيرة محلياً في مطارَي "كوغونهاس" و"سانتوس دومون"، حيث تم اختبار هذه التكنولوجيا الشاملة من خلال دعوة المسافرين على متن تلك الرحلات بين ريو دي جانيرو وسان باولو، للمشاركة في التجربة عبر استخدام تقنية التعرف على بصمة الوجه في منطقتي الصعود في كلا المطارين.
وبدلاً من إبراز تصريح الصعود على متن الطائرة وتقديم الوثائق الشخصية، يقوم مبدأ تقنية التعرف على بصمة الوجه على التقاط القياسات الحيوية للوجه في غضون ثوانٍ. ولتطبيق التجربة، فقد قامت إدارة المطار بدعوة المسافرين الذين يترتب عليهم القيام بإجراءات الصعود إلى الطائرة للمشاركة في التجربة، وبعد ذلك إرسال رسالة نصية إلى هواتفهم الخلوية في حال الموافقة لطلب الإذن بالوصول إلى بياناتهم، بما فيها رقم الضمان الاجتماعي والصورة الشخصية. وبعد نيل موافقة المسافر، يُستخدم التطبيق للتحقق من هويته ومقارنة البيانات والصورة التي تم التقاطها مباشرةً بتلك الموجودة ضمن قواعد البيانات الوطنية.
ويتم بعد ذلك التحقق من هوية المسافر وصحة بياناته، حيث يُسمح له بالانتقال إلى صالة المغادرين مروراً بنقاط مراقبة مزودة بأجهزة قياسات حيوية، تقوم كاميراتها بتحديد هوية الراكب بشكل تلقائي دون الحاجة لإبراز أي مستند أو وثيقة أو تذكرة تسمح له بالصعود إلى الطائرة، وبهذا يتم التحقق من صحة القياسات الحيوية وتحليل البيانات، على نحو يضمن في الوقت نفسه التزام الحدّ الأقصى من الإجراءات الوقائية.
وقد كانت تقنيات مماثلة خضعت للاختبار في عدّة مطارات محلية، حيث واجهت بعض التحديات التي كان من أبرزها مخاوف المسافرين بشأن مدى حماية بياناتهم الشخصية ضد سوء الاستخدام أو الاستخدام غير المصرح به، ولذلك أكدت الجهات المشاركة في المشروع أن إطلاق المشروع تم بعد التأكد من التزامه التام بقانون حماية البيانات الشخصية العام المعتمَد في البرازيل، وأنه يتبع معايير الجودة والموثوقية والسلامة، كما أنّ التجربة لا تتم دون الحصول على موافقة مسبقة من المسافرين. وفي بحث أجراه الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) حول المسافرين، أبدى 70% من المشاركين استعدادهم لمشاركة بياناتهم الحيوية وصورهم لأغراض تحديد الهوية أثناء عمليات الصعود إلى الطائرة. ومن جهة أخرى، فقد ظهرت لدى الجهات الحكومية مخاوف تتعلق بمدى دقة هذه التقنية في التعرف على هوية المسافرين وإمكانية التحايل عليها، ولكنّ مطوري شركة "آيديميا" (IDEMIA) زوّدوا التطبيق بخوارزمية عالية الدقة وقادرةٍ على تحقيق معدل حساسية مرتفع للغاية في التعرف على هوية الأفراد.
وبعد الموافقة على المشروع التجريبي، ستواصل حكومة البرازيل إجراءات تطبيق هذه التقنية واعتمادها في المطارات البرازيلية الرئيسة بشكل فعال، لتتبع الطريق الهادف إلى رقمنة المطارات بالكامل ووضعها في مقدمة حركة التحول الرقمي للملاحة الجوية، وهذا ما سيرتقي بعملية صعود الركاب إلى الطائرة إلى مستوى أكثر كفاءةً وسرعةً وأماناً، ويجنبهم الانتظار والتأخير، كما سيفيد في تعزيز أمن المطارات وجعل العمليات التشغيلية والإدارية فيها أكثر ذكاءً ودقة. وعلاوةً على ذلك، فمن المتوقع أن ينهي النظام التعاملات الورقية تماماً مما ينسجم مع الاستجابة لجائحة كوفيد-19 ويحدُّ من انتشار الفيروسات والبكتيريا الذي يتم عن طريق المعاملات اليدوية.
المراجع: