توجه أوروبي نحو تحويل الموانئ إلى مرافق خضراء بقيادة بلجيكا

توجه أوروبي نحو تحويل الموانئ إلى مرافق خضراء بقيادة بلجيكا

1 دقيقة قراءة
نطاق عمل مشروع "بايونيرز" واسع وطموح، فهو يتضمن إعادة النّظر في مختلف جوانب عمليات تشغيل الموانئ بهدف تحسينها جذرياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون الحلول قابلة للنقل والتطبيق في أكبر عدد من الموانئ، سواء كان على مستوى عمليات المحطات الطرفية التي تتعامل مع الحاويات، أو اتفاقيات الامتياز، أو التنقل داخل الميناء، أو الاتصالات، أو تزويد السفن بالوقود، أو استخدام الطاقة، أو الطاقة البديلة، أو غيرها. 
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

يحتضن ميناء أنتويرب بيئة رحبة للتجارب واختبار الأفكار الجديدة في سياق مفهوم "الموانئ الذكية"، وقد تم خلال السنوات الماضية اختبار العديد من المبادرات التكنولوجية التي أثمرت نتائجاً تم تبنيها في عدة موانئ أخرى. وفي إطار دوره الرائد، سيتولى الميناء البلجيكي قيادة اتحاد دولي تأسّس مؤخراً بدعم من الاتحاد الأوروبي، يضم العديد من الجهات الفاعلة الخاصة والحكومية، بهدف تحويل موانئ أوروبا إلى مرافق خضراء، حيادية الأثر من جهة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومجهزة بتقنيات مبتكرة ترفع من فعالية الخدمات وترتقي بعمليات الموانئ إلى مستويات جديدة من الكفاءة والاستدامة. 

تشير الدراسات إلى أن ما يزيد عن 80% من التجارة العالمية تتم عبر البحار، وأن الموانئ عموماً ما تزال تشكل مصدراً لتلوث البيئة وانبعاثات الكربون، سواء من جهة استهلاكها الكثيف للطاقة والوقود ومشتقاته أو تخزين الوقود الأحفوري وتزويد السفن به. ويتمثل التحدي هنا في إيجاد البدائل المناسبة لخفض هذه الانبعاثات من دون أن تتأثر القدرة التنافسية للموانئ، وضمان استمرارها في تقديم خدمات قياسية بأسعار مقبولة. إضافة للحاجة إلى إعادة النظر في كل جوانب تشغيل الموانئ وبنيتها التحتية للاستفادة من التكنولوجيا ومواكبة التقدم في مختلف قطاعات الشحن والنقل الأخرى. يعتمد الجزء الأكبر من الحلول المطروحة أو المحتملة على البحوث والابتكار. وهذا ما يسعى إليه مشروع الموانئ الأوروبي الجديد الذي تأسس الاتحاد من أجله، والذي تمت تسميته بـ"بايونيرز" (PIONEERS)، اختصاراً لـ"الشبكة المفتوحة للحلول المبتكرة في رفع الفعالية وخفض الانبعاثات في الموانئ". 

سيتلقى "بايونيرز" منحة قدرها 25 مليون يورو (28.23 مليون دولار أمريكي) من برنامج "يوروبيان هورايزون 2020" يتم صرفها لإنجاز المشروع خلال خمس سنوات ابتداءً من نهاية العام 2021. ويعد هذا البرنامج أكبر برامج الاتحاد الأوروبي في مجال البحوث والابتكار لغاية اليوم، وهو يعمل على تمويل المشاريع التي تضمن تنافسية أوروبا عالمياً على مدى السبعة أعوام القادمة برصيد إجمالي يبلغ 80 مليار يورو (90.30 مليار دولار أمريكي). 

نطاق عمل مشروع "بايونيرز" واسع وطموح، فهو يتضمن إعادة النّظر في مختلف جوانب عمليات تشغيل الموانئ بهدف تحسينها جذرياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون الحلول قابلة للنقل والتطبيق في أكبر عدد من الموانئ، سواء كان على مستوى عمليات المحطات الطرفية التي تتعامل مع الحاويات، أو اتفاقيات الامتياز، أو التنقل داخل الميناء، أو الاتصالات، أو تزويد السفن بالوقود، أو استخدام الطاقة، أو الطاقة البديلة، أو غيرها. 

خلال المشروع، سيتم التطبيق العملي لعدد من الحلول المبتكرة التي حصلت على موافقة برنامج "يوروبيان هورايزون 2020"، هي عبارة عن 19 حلاً تقدم بها ممثلو اتحاد "بايونيرز" الذي يضم 46 شريكاً يشملون بعض الموانئ، ومشغلي المحطات الطرفية، وشركات الشحن، والموردين، بالإضافة إلى مؤسسات بحثية، وشركات تطوير التكنولوجيا، ومراكز ابتكار، ومؤسسات القطاع الحكومي.

تتمحور أبرز هذه الحلول حول إنتاج الطاقة النظيفة وإمدادها، وتصاميم مستدامة للموانئ المستقبلية، ونقلة نوعية في عمليات الشحن والتفريغ وتسهيل حركة سير الحاويات، والتحول الرقمي. وتشمل هذه الحلول المهام التالية: توليد الطاقة المتجددة؛ توفير مركبات تعمل بالطاقة الكهربائية وغاز الهيدروجين والميثانول؛ إدخال تعديلات على مباني وأنظمة التدفئة في الميناء لرفع كفاءة استخدام الطاقة؛ استخدام نهج الاقتصاد الدائري في الأعمال المرتبطة بالبنية التحتية؛ أتمتة العمليات؛ تطوير منصات رقمية لرفع كفاءة تناول الحاويات؛ تحقيق أفضل مستوى لحركة سير السفن والشاحنات. 

سيكون ميناء أنتويرب، وهو ثاني أكبر ميناء في أوروبا، منصة لتطبيق غالبية هذه الحلول قبل اعتمادها والتوصية بها، وهو دور تم تسميته بـ"المنارة" التي سترشد بقية الموانئ إلى المسار المطلوب في مجالي خفض الانبعاثات ورفع كفاءة العمليات. وستقوم ثلاثة موانئ بالمشاركة في مشروع "بايونيرز"، وهي برشلونة في إسبانيا، وكونستانتا في رومانيا، وفينلو في هولندا، وسيكون لهم إسهامات في تصميم الحلول المقترحة ودور مهم في زيادة قابلية هذه الحلول للتطبيق في مرافقهم. وكان اختيار هذه الموانئ للمشاركة قد تم بعناية لأنها تمثل نماذجاً مختلفة على مستوى الحجم والموقع والبيئة وطبيعة العمل، ما يعني أن نجاحها في نقل تجربة أنتويرب ستعزز تبني الحلول في الكثير من موانئ أوروبا.

كما إن ترشيح ميناء أنتويرب لريادة المشروع أتى لأسباب وجيهة أيضاً. فعلى الرغم من أنّه مسؤول عما يقدر بين 15-10% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في بلجيكا، إلا أنّه بدأ منذ زمن بتطبيق مفهوم الابتكار بشكل منهجي في الحفاظ على البيئة في عملياته، ويخطط لأن يصبح متعادل الأثر من حيث الانبعاثات بحلول العام 2050، ويسعى أيضاً إلى أن يصبح مرفقاً مستداماً من خلال تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في بلجيكا. كما أنّه أعلن عن تبنى أهداف التنمية المستدامة (SDG) للأمم المتحدة ضمن رسالته وخطة أعماله، مسترشداً بخارطة طريق ترسم المسار لغاية عام 2030. 

بالإضافة إلى ذلك، تتواءم أهداف ميناء أنتويرب مع أهم أهداف اتحاد "بايونيرز" فيما يتعلق بالتحول إلى استخدام الطاقة النظيفة. فعلى سبيل المثال، يخطط الميناء لأن يصبح محطة متكاملة لمختلف أنواع الوقود في العام 2025، حيث يمكن للسفن البحرية والنهرية العابرة أن تتزود ليس فقط بالوقود التقليدي، بل أيضاً ببدائل متدنية الكربون مثل الميثانول أو الهيدروجين أو الطاقة الكهربائية. وفي تجربة تُعدّ الأولى من نوعها، حوّل الميناء إحدى الزوارق القاطرة للعمل بالميثانول عوضاً عن الوقود التقليدي، وذلك ضمن مشروع موّله الاتحاد الأوروبي لكي يبرهن على جدوى استخدام الميثانول كبديل فعال ومستدام للوقود الأحفوري في أنشطة الموانئ. 

ومن الأمثلة الأخرى على إنجازات ميناء أنتويرب في مجال الابتكار بهدف رفع كفاءة العمل وضمان السلامة، البدء باستخدام الطائرات بدون طيار ذاتية التحكم (أو الروبوتات الطائرة) في دعم العمليات اليومية للمرفق. تأتي هذه الخطوة ضمن مشروع منصة "ميناء المستقبل" الهادفة إلى إطلاق ابتكارات تكنولوجية جديدة لدعم بيئة العمل في الميناء. ستمكن هذه الطائرات في البداية سلطات الميناء من إدارة عمليات التفتيش والإشراف في أجزاء واسعة من المرفق بطريقة آمنة وسريعة. وتتضح أهمية هذه الخطوة حيث أن مساحة المرفأ تزيد عن 120 كيلومتر مربع.

وجدير بالذكر أن الميناء كرس بقعة أرض تبلغ مساحتها 100 هكتاراً لتستضيف صناعات جديدة في مجال الاقتصاد الدائري بحلول العام 2023. 

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

أدوات مبتكرة لتحصين الصحة العامة ضد موجات الحر الشديد

بفعل تغير المناخ ازدادت في السنوات الأخيرة حدة وتواتر موجات الحر الشديد، لتصبح مشكلة حقيقية تهدد الصحة العامة والبيئة، بالإضافة إلى انعكاساتها السلبية على شتى الجوانب الحياتية والاقتصادية. في مواجهة هذا التحدي، لجأت سلطات أستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية، وهونغ كونغ، إلى إطلاق مبادرات مبتكرة للحد من آثار الحر الشديد، ركزت الحلول على تعزيز المرونة في التعامل مع درجات الحرارة العالية من خلال عدة إجراءات جمعت ما بين التكنولوجيا والأساليب العملية، شاملة التدابير الاستباقية، ورفع الجاهزية، والبيانات الفورية، والتواصل الفعال مع الجمهور.

 · · 21 أبريل 2024

ثلاث مدن تنفّذ حلولاً مبتكرة لمواجهة موجات الحر

تمثّل ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة الحاد في المدن تهديداً لصحة السكان وجودة حياتهم. لذا تسعى الحكومات إلى اعتماد طرائق مبتكرة لاحتواء هذه الظاهرة، بدءاً من إرشاد الناس للاحتماء منها كما في ملبورن السويسرية، مروراً بإنشاء المساحات الخضراء لتبريد المدينة وكسر حدة التلوّث كما في باريس الفرنسية، وليس انتهاءً بتركيب مظلّات تقي الناس حرّ الشمس كما في إشبيلية الإسبانية.

 · · 19 ديسمبر 2023

الحكومات المحلية في المملكة المتحدة تستثمر التكنولوجيا الجغرافية المكانية

تسعى العديد من الحكومات المحلية في المملكة المتحدة لإدماج الأدوات التقنية في عمليات التخطيط، واللجوء إليها لفهم البيئات الحَضَرية ورسم الخرائط التفاعلية والتصوّرات ثلاثية الأبعاد وإشراك الناس في عمليات صنع القرار.

 · · 18 سبتمبر 2023

اختبار مياه الصرف الصحي مرجعاً لقرارات الصحة العامة

كوسيلةٍ إضافيةٍ لتتبُّع حركة فيروس كورونا الذي يتطوّر بوتيرةٍ شبه يومية، لجأت بعض الدول كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى مراقبة شبكات الصرف الصحيّ وتحليل عيناتٍ منها لرصد وجود الفيروس في منطقةٍ ما قبل حتى ظهور أيّ إصابةٍ فيها.

 · · 25 أبريل 2023

مدن أمريكية تسوِّق لسكانها تطبيق الأمن السيبرانيّ

مع انتقال الكثير من الأنشطة الحياتية والوظيفية إلى الإنترنت وتزايُد المخاطر هناك، تتلاحق المدن الأمريكية لاستكشاف الحلول لحماية مواطنيها ومؤسساتها، فتبنّت العديد من المدن مثل دالاس ونيويورك وميشيغان سياسة تطوير التطبيقات الذكية التي تحظر البرمجيات الضارة وترشِد المستخدمين إلى تدابير الحماية.

 · · 12 أبريل 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right