توأم رقميّ وطنيّ يدعم صنّاع السياسات في ألمانيا

توأم رقميّ وطنيّ يدعم صنّاع السياسات في ألمانيا

1 دقيقة قراءة
بحثاً عن رؤية إضافية عميقة وشاملة تدعم عملية اتخاذ القرار، شرعت ألمانيا في وضع توأم رقميّ على المستوى الوطنيّ يضمّ بياناتٍ من كلّ المصادر المتاحة، للعودة إليها في وضع الخطط والاستراتيجيات والتنبؤ بالعقبات ودعم مسيرة ألمانيا لتصبح من الدول الأذكى رقمياً.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

بحثاً عن رؤية إضافية عميقة وشاملة تدعم عملية اتخاذ القرار، شرعت ألمانيا في وضع توأم رقميّ على المستوى الوطنيّ يضمّ بياناتٍ من كلّ المصادر المتاحة، للعودة إليها في وضع الخطط والاستراتيجيات والتنبؤ بالعقبات ودعم مسيرة ألمانيا لتصبح من الدول الأذكى رقمياً.

قيادة بلد أمرٌ بالغ التعقيد، لا سيما في هذا العصر، حيث تتشابك التحديات وتزداد متطلّبات الناس صعوبةً وتعقيداً، وحتى في أكثر البلدان ازدهاراً وديمقراطية، قد يجد صنّاع القرار أنفسَهم أحياناً عاجزين عن التوصّل إلى الخيارات المثلى.

قد يكون من المُستغرب أن ينطبق هذا على دولة كألمانيا، فهي منذ عقود حاضرةٌ بين الدول ذات أقوى الاقتصادات وأنجح منظومات التعليم وأعلى معدّلات الأمان وأفضل خدمات الصحة، والقائمة تطول. لكنّ سمعة ألمانيا العالمية لم تأتِ عبثاً، فخلفها كانت حكومة تعمل باستمرار لمقاربة التحديات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي لا يخلو منها أيّ بلد، مثل الاستخدام المتزايد للأراضي وارتفاع الطلب على الطاقة وقسوة ظروف الطقس وتغيُّر المناخ ومحدودية الموارد الطبيعية والتغيُّرات الاجتماعية والديمغرافية.

لتكون القرارات ضمن الكيانات الحكومية مستندةً إلى أساس مشتركٍ وواضحٍ وشاملٍ من حيث البيانات، تعمل الوكالة الفيدرالية الألمانية لرسم الخرائط وعلم المساحة التطبيقية على إنشاء توأم رقميّ للدولة.

يمكن تعريف التوأم الرقميّ بأنّه تمثيل افتراضيّ ثلاثي الأبعاد للأجسام الموجودة على الأرض سواءٌ أكانت سيارةً أو مبنى أو مدينةً بأكملها، بالاعتماد على بياناتٍ حقيقيةٍ لها، تُجمع باستخدام أجهزة إنترنت الأشياء كأجهزة الاستشعار وكاميرات الفيديو وغيرها.

الفكرة هي أنّ وجود نموذج مطابق تماماً لما هو على أرض الواقع، يسمح للباحثين والمخطّطين ومصمّمي السياسات، معرفة السيناريوهات المحتملة لأيّ تغييرٍ ينوون إحداثَه على أرض الواقع، وذلك بتجربته على التوأم الرقميّ.

ستعمل الفِرَق على إنشاء توأمٍ رقميٍّ لألمانيا بالكامل بشكلٍ متّسقٍ وديناميكيّ وبالغ التعقيد ومفصَّلٍ إلى درجةٍ غير مسبوقة، مع كلّ المكوّنات الجغرافية المكانية الأساسية والمعلومات الطبوغرافية الدقيقة وتحليلات البيانات الضخمة وتقنيات التصوّر الحديثة وبيانات الأقمار الصناعية وعددٍ كبير جداً من المشاريع العلمية ودراسات الجدوى، وذلك بغرض إيضاح المشكلات المترابطة ونقاط تقاطعها.

يتضمّن التوأم نماذج هيدرولوجية لمحاكاة أيّ فيضان مفاجئ قد ينتج عن هطول أمطار غزيرة، كما أضاف فريق المطوّرين إليه أداة لتحليل المناخ الحضريّ وأثراها بمعلوماتٍ حول ارتفاع المباني لوضع نماذج دقيقة لتدفّقات الهواء.

وفي الغابات، استخدم الفريق تقنية الليدار (تحديد المدى عن طريق انعكاس الضوء) لجمع البيانات المتعلّقة بكثافة الأشجار وارتفاعها وظلّها، وذلك لتقدير نِسَب التقاط الكربون وتخزينه.

بطبيعة الحال لم يكن ممكناً التقاط الصور للبلد برمته عن طريق التقنيات التقليدية، فتم استبدالها بأنظمة أكثر حداثة تستطيع تغطية مناطق واسعة، مثل الليدار مع عداد غايغر أو الليدار أحاديّ الفوتون، وكلتاهما تتشابهان مع تقنية الليدار الخَطّيّ باعتمادهما على حساب الوقت بين نبضة الليزر التي تنبعث من الجهاز والصدى المنعكس عنها، لكنّهما تفعلان ذلك بدقةٍ أعلى قادرةٍ على إنشاء صورةٍ واقعيةٍ طبق الأصل.

وقد كانت التقنيات جزءاً أساسياً من مشروع مسح مدينة هامبورغ الذي غطى قرابة 9 آلاف كيلومتر مربّع. وهو مشروع تجريبي أطلقه مكتب الدولة للمعلومات الجغرافية والمسوحات، لاستكشاف التقنيات والتحقّق من صحة البيانات. وتضمّن النموذج المساحة السطحية بالكامل بما فيها من أبنية وأشجار وخطوط طاقة وغيرها، وهو مزوّد بخوارزميات ذكية تستطيع التعرّف على هذه الأجسام الشائعة ووضع العلامات عليها.

عند اكتمال النموذج، يمكن الرجوع إليه قبل اتخاذ القرارات، حيث سيقدّم إطار عمل من البيانات المشتركة للخروج بحلول للمشكلات وتدابير لاحتواء آثارها. لذلك ستتم مشاركة البيانات عبر الدولة بأكملها وتحديثها بانتظام، ليتسنّى لصنّاع السياسات مراقبة الظروف المختلفة. على سبيل المثال، تتبنّى الإدارة الفيدرالية نظاماً لمراقبة البيئة يضمّ تفاصيل حول الزراعة والمياه وتلوّث الهواء وظروف الطقس لنمذجتها.

واقع الأمر أنّ هذا المفهوم ارتبط بالإنتاج الصناعيّ، فاستُخدم لمراقبة العمليات وتقييم جودة المنتجات واختبار وظائفها المختلفة. لكنّ نقلَه إلى نطاق جغرافيّ واسع لن يكون بالبساطة نفسها، وسيطرح تحديات كثيرة، تبدأ بالمتطلّبات التكنولوجية والنمذجة وتمرّ بإدارة المعلومات وقد لا تنتهي بتكامل البيانات. في الوقت نفسِه، تحقّق هذه العلوم قفزاتٍ هائلةً كلّ يوم مثل زيادة قدرات المعالجة واستخدام تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعيّ إلى جانب تقنيات المسح المحسّنة. كلّ هذا يَعِد باقتراب فرصة وجود توأم رقميّ وطنيّ.

ستبدأ الحكومة الفيدرالية الألمانية بالعمل على هذا المشروع في العام 2023 مع المفوّضية الأوروبية، التي أطلقت بدورها مبادرة لإنشاء توأم رقميّ للأرض برمتها خلال العقد المقبل، ما يحتاج إلى مشاركة المعرفة والبيانات والأدوات. فوجود أساس مشترك للبيانات سيمكِّن أصحاب القرار من اتخاذ قرارات أكثر سرعة واستنارة وموثوقية، والأهمّ هو إنشاء قنوات اتصال لأصحاب المصلحة على كلا المستويين الفيدراليّ والوطنيّ.

على مستوى الدول عموماً، ودولة كألمانيا خصوصاً، تلعب هذه التقنيات دوراً جوهرياً في تحسين البنى التحتية والتأهّب لحالات الطوارئ وإجراء الأبحاث ووضع استراتيجيات التنمية.

تفتح التوائم الرقمية آفاقاً واسعةً أمام المدن الذكية المستقبلية، فتساعدها على أداء مهامها بانسجام أكبر على جميع الصعد البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

المستشعِرات الحيوية … البيولوجيا ترصد البيولوجيا

في سعي العلم الدائم وراء الدقة والمعرفة الأعمق، تبرز المستشعِرات الحيوية بوصفها أجهزةً تحليليةً متطوّرةً تجمع بين عناصر الاستشعار البيولوجية ومحوّلات الطاقة لرصد المواد وقياسها، فتبشِّر بتغيير قواعد اللعبة في مجالاتٍ كالرعاية الصحية والمراقبة البيئية وسلامة الأغذية.

 · · 18 يونيو 2025

الدماغ الفائق … ابتكارٌ يبصرُ به المكفوفون

ضمن قفزةٍ رائدةٍ في تقنية المُعينات، طوّرت شركة "سيفِن سينس" من مقرِّها في إستونيا جهاز "الدماغ الفائق"، الذي يسمح لضعيفي البصر والمحرومين منه بـ "الرؤية" من خلال حاسة اللمس، باستخدام التقنيات المتقدّمة التي ترسم صورةً ذهنيةً للواقع فتطرح معايير جديدةً في هذا العالم.

 · · 18 يونيو 2025

حلولٌ مستوحاةٌ من الطبيعة… العفن يرسم خريطة لمحطات شحن المركبات الكهربائية

من الملهم أن يجد الباحثون حلولًا لأكبر التحديات في أصغر الكائنات. هذا ما فعله باحثون في سعيهم لتطوير البنية التحتية للمركبات الكهربائية، فاستوحوا من العفن الغروي طريقةً لإنشاء شبكة شحنٍ متعدّدة الأغراض توفِّر الوقت والتكلفة والأثرَ البيئيّ. مع التحول العالمي نحو وسائل نقل نظيفة، من المتوقع أن تحتل المركبات الكهربائية مكانة الصدارة في مستقبل النقل […]

 · · 23 مايو 2025

هامبورغ تطورّ الذكاء الاصطناعي محلياً لتحديث العمل الحكومي

مع تسابق حكومات العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات سعياً لزيادة فعالية عملية اتخاذ القرار ورفع كفاءة خدماتها وسبر آفاق جديدة في العمل الحكومي، باشرت هامبورغ باختبار فعالية نموذج مبتكر من نماذج اللغات الكبيرة (LLM) أو برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، طورته المدينة الألمانية محلياً ليس بهدف تحسين آليات تقديم الخدمات العامة فحسب، بل ولإعادة تصور إطار عمل تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.

 · · 23 مايو 2025

مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.

 · · 23 مايو 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right