تعزيز الحوكمة الرقمية من خلال المصادر المفتوحة

تعزيز الحوكمة الرقمية من خلال المصادر المفتوحة

1 دقيقة قراءة
لنشر ثقافة الحكومة الرقمية على نطاق أوسع، وبالتشارك مع السلطات المحلية وخيرة المطوِّرين في البلدان المستهدَفة، يعمل تحالف من البلدان الرائدة في قطاع التكنولوجيا، ومنها إستونيا وألمانيا، على جعل الخدمات الرقمية بمثابة حجارة بناء يمكن استخدامها عدة مرات لتناسب احتياجات مختلفة.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

لنشر ثقافة الحكومة الرقمية على نطاق أوسع، وبالتشارك مع السلطات المحلية وخيرة المطوِّرين في البلدان المستهدَفة، يعمل تحالف من البلدان الرائدة في قطاع التكنولوجيا، ومنها إستونيا وألمانيا، على جعل الخدمات الرقمية بمثابة حجارة بناء يمكن استخدامها عدة مرات لتناسب احتياجات مختلفة.

في هذا العصر، أصبحت الرقمنة أمراً حتمياً، فقد رفع القطاع الخاص حول العالم سقفَ تجربة العملاء، فباتوا يتوقّعون الخدمة نفسَها من الحكومات التي انطلق العديدُ منها في رحلات التحوُّل الرقمي. رحلات قد تكون سلسةً بالنسبة للبعض، وشاقةً بالنسبة للبعض الآخر.

حين يبدأ بلد ما العملَ على رقمنة الخدمات العامة، ستكون تحديات كثيرة بانتظاره، من إنشاء قواعد البيانات وجمعِها وتحليلِها وإدارتِها، إلى برمجة المواقع التي سيلجأ إليها الناس وتصميم واجهات مستخدمين تلائم احتياجاتهم وتراعي معارفهم التقنية، مروراً بتعديلِ اللوائح والنُّظُم لإيجاد أُطُرٍ قانونيةٍ تدعم هذه النقلة، وصولاً إلى ثقافة المجتمعات المستهدَفة وتهيئتِها لاستقبال مفاهيمَ جديدةٍ وأنماط عملٍ مختلفة. والأهم، هو إيجاد النقطة المثلى التي تلتقي عندها كلّ هذه الجوانب لتأسيس تجربةٍ ناجحة.

لأنّ التحديات الكبرى تتطلب حلولاً شاملة، انطلقت مبادرة "غوف ستاك" GovStack التي تجمع إستونيا وألمانيا والاتحاد الدولي للاتصالات وتحالف الأثر الرقميّ إلى جانب العديد من مجموعات العمل في أوروبا وآسيا وأمريكا وأفريقيا والشرق الأوسط والقطاع الخاص. وتسعى المبادرة إلى تحويل الخدمات الرقمية إلى حجارة بناء يمكن تصميمها وتنفيذها واستخدامها عدة مرات وبطرائق مختلفةٍ عبر القطاعات.

بعبارةٍ أبسط، تهدف المبادرة إلى تزويد الحكومة الإلكترونية بأدواتٍ مستدامةٍ وفعّالة من حيث التكلفة لتطوير خدماتها، لكنّ الفكرة أن تكون هذه الأدوات مطواعة، بحيث يمكن لكلّ حكومةٍ استخدامُها بالشكل الذي يوائم خصوصيتَها، وكأنّها لعبة المكعّبات الملوّنة التي يمكن تشكيلها ضمن أيّ هيكلٍ يريده المستخدم.

في هذه الحالة، الهيكل هو حكومةٌ إلكترونية، ولبنائه ستستخدم السلطات مكعّباتٍ أو مكوناتٍ متماثلةً لعمليات التسجيل وقابلية التشغيل البينيّ والموافقة. وبدل أن تصنع المبادرة كلّ برنامجٍ أو منتجٍ على حدة، ستطوّر المواصفات والمتطلبات الوظيفية لكلِّ مكعَّب. وهذا ما يُعرف بالمصدر المفتوح، حيث يمكن للمستخدِم– ولنفترض أنّه حكومة أوروبية ما– اختيارُ هيكلٍ كاملٍ مُعَدٍّ مسبقاً، أو الاستعانة بأجزاء منه لبناء هيكلها الخاص.

تمثِّل هذه المكعّبات معطياتٍ برمجيةً كالرموز أو الأنظمة الأساسية أو التطبيقات القابلة لكلٍّ من التشغيل البينيّ والتبادليّ، وقد تتعلّق بقواعد البيانات المُدارة مركزياً، والتي تمثّل سجلّاتٍ للأفراد أو المؤسسات أو العمليات أو المنتجات أو المواقع. وتشمل أيضاً المعاملات المالية من إجراءات دفعٍ واستحقاقٍ ومراجعة حساباتٍ وغيرها، والمعاملات الأمنيةَ المتعلقة بالوصول إلى الموارد والخدمات وقواعد البيانات والتطبيقات.

تقوم المبادرة على 3 ركائز أساسية، تشكل المواصفات الحكومية وتطويرُها وتحسينُها ركيزتها الأولى، فيما تشكل الحماية ركيزتها الثانية، بمعنى أن تخضع الحلول البرمجية المُقترحة للاختبار ضمن بيئةٍ آمنةٍ وباستخدام بياناتٍ وهمية، وذلك لمعرفة قواعد البيانات المطلوبة والتحديات التي قد تعوق العمل، حيث يندر أن تنشئ أيّة حكومةٍ خدماتها الإلكترونية ضمن حزمةٍ كاملة، بل تبدأ من تجربةٍ محدّدةٍ وضيقة النطاق، وتتوسّع انطلاقاً منها. وأخيراً، تأتي الركيزة الثالثة، وهي الممارسات المثلى التي جُمعت في كتابٍ مرجعيٍّ يمكن للحكومات الاستعانةُ به في رحلة التحوّل الرقميّ، فتجد فيه إجراءاتٍ معياريةً لمختلف مراحل العمل، من تشكيل الفريق إلى تصميم الخدمات، كما أنّها قابلة للتنفيذ على مختلف المستويات، البلدية والمحلية والوطنية.

إذ توفّر المبادرة الخدمات الرقمية الأساسية على نطاقٍ واسع وفي سياقاتٍ متعدّدة، فهذا لا يعني أنّها ستطوّر هذه البرمجيات بنفسها، بل سترسي أساساتِها، وتقدّم الدعم لمجموعةٍ من الخبراء الذين سيطوِّرون مواصفاتها الفنية أو متطلّباتها التشغيلية، وسيقيِّمون المنتجات الموجودة حالياً للتأكد من ملاءمتِها لمعايير الحلول الرقمية التي تتبنّاها المبادرة وتعديلِها إن لم تحقّق هذا الشرط.

لا تعمل المبادرة أبداً بمنأى عن البلد المستهدف وسلطاته، بل تستعين بالخبراء المحليين المتطوّعين الراغبين بالمشاركة في هذا العمل، والذين يستطيعون الاشتراك عبر الموقع الرسميّ للمبادرة. وعلى هذه الأسس، يتوزّع التعاون على 3 مجالاتٍ رئيسية، وهي استراتيجية الحكومة الرقمية التي تعنى بتحديد الاحتياجات الأكثر إلحاحاً وتحقيق المتطلبات الفنية والتنظيمية. ومن ثم يأتي التصميم الفني للخدمات الإلكترونية والنماذج الأولية، ما يعني رصد التجارب الواعدة بناءً على المواصفات الفنية الموضوعة مسبقاً. أما المجال الثالث، فيتوجّه إلى تنمية القدرات، وهذا أمر لا بدّ من توفره في كلا القطاعين الحكوميّ والخاص. وعليه، تقدّم المبادرة الدعم للحكومات المحلية لتطوير مهارات كوادرها ودعوتها للمشاركة في الفعاليات ذات الصلة، دولياً وإقليمياً، من خلال تنظيم منتدياتٍ لمن تسمّيهم "صنّاع التغيير"، وهم الخبراء التقنيون والرؤساء التنفيذيون، للالتقاء وتبادل الخبرات.

ولأنّ المبادرة تسعى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فهي تعمل مع حكومة رواندا على مشروعٍ لإدارة النفايات الإلكترونية، بناءً على قانون "مسؤولية المنتِج الممتدة"، التي تعني أنّ مصنّعي المنتجات ومستورديها يتحمّلون مسؤوليةً كبيرةً عن الآثار البيئية لمنتجاتهم.

لكنّ آلية العمل هذه لا تخلو من التحديات، فالتوفيق بين آراء كلّ الجهات الفاعلة قد يكون مسألةً شاقة، وقد يتطلّب تطويرُ الحلول مناقشاتٍ طويلةً ومكثّفة قبل العثور على أرضيةٍ مشتركة. كما أنّها تستلزم أُطُراً سياسيةً وتنظيميةً صارمة، وتصميماً يتمحور حول المستخدِم، وأقصى درجةٍ ممكنةٍ من الاعتبارات الأمنية وحماية الخصوصية. يمكن القول إنّ هذه المبادرة تأخذ بيد الحكومات في رحلة التحوّل الرقميّ لتجعلها أبسط وأسرع وأكثر موثوقية وأقلّ تكلفةً واستهلاكاً للموارد، كما أنّها ستساعد في إنشاء سوقٍ واسعٍ ومفتوحٍ للخدمات الحكومية الرقمية، حيث تتم عمليات شراء المنتجات عالية الجودة في جوٍّ من الشفافية، وتحويل روّاد رحلة التحوّل الرقميّ إلى جزءٍ من تجمُّع عالميّ يدعم بعضه بعضاً في تحسين خدماته باستمرار.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حكومات توظف الابتكار لمواجهة القيادة المستهترة

سعياً لاحتواء ظاهرة القيادة المستهترة التي تعتلي لائحة مسبِّبات حوادث الطرق في العالم، لجأت حكوماتٌ عدّة في كلٍّ من أوروبا وأمريكا إلى الكاميرات الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعيّ، لترصدَ المخالفات وتتكاملَ مع أُطُر ولوائحَ قانونيةٍ صارمةٍ لا تتهاون مع أيّ سائقٍ يعطي لعوامل التشتيت الأولوية على حساب سلامته وسلامة الآخرين.

 · · 4 ديسمبر 2023

سيؤول تطلق أولى منصات الخدمات العامة عبر الواقع الموازي "ميتافيرس"

لتكون في طليعة توجُّهٍ متنامٍ، نقلت حكومة سيؤول، الحاضرة الكورية، خدماتها إلى بُعدٍ آخر بالمعنى الحرفيّ للكلمة، فأطلقت المنصة الأولى من نوعها في العالم التي تقدّم الخدمات افتراضياً، والتي ستتّسع شيئاً فشيئاً لتواكب أحدث التطوّرات وتزيح عن مواطنيها أعباء الأعمال التقليدية.

 · · 4 ديسمبر 2023

كيف يُستخدم الواقع المعزّز لتقديم تجارب أفضل في عدة مدن من العالم

بعدما ابتكرت مخيّلة العلماء والمطورون الواقع المعزّز، بدأت مدن عديدةٌ باستخدام تطبيقاته لتعزيز السياحة وحماية إرثها الثقافيّ وحتى تخطيطِ مستقبلها. ففي دبلن وليتشفيلد وستيرلينغ، برمجت المجالس المحلية تطبيقاتٍ ذكيةً تستخدم الواقع المعزّز كدليلٍ سياحيٍّ للزوار، وفي زيورخ السويسرية صمّمت المدينة نظاراتٍ ذكيةً يمكن ارتداؤها أمام أرضٍ خاليةٍ لترسم صورةً ثلاثية الأبعاد للأبنية التي قد تقوم عليها مستقبلاً.

 · · 4 ديسمبر 2023

كيف تثري لوحات البيانات قضية السلامة العامة بثقافة المساءلة

بهدف تأسيس حالةٍ من الشفافية والمساءلة، بدأت المدن الأمريكية بإطلاق لوحات بياناتٍ إلكترونيةٍ تجمع كلّ المعلومات المتعلّقة بالجرائم، وبأداء وكالات إنفاذ القانون، وتتيح الحقائق لمواطنيها لاطلاعهم على سير العمل وجعلهم جزءاً من عملية صنع القرار.

 · · 13 نوفمبر 2023

الذكاء الاصطناعيّ والطائرات المسيرة تساعد الحكومات المحلية في صيانة الطرق

لأنّ جودة الطرق عاملٌ رئيسيّ في سلامة مستخدميها، بدأت عدّة دول كالمملكة المتحدّة وليتوانيا باستخدام التقنيات المتطوّرة لجعل عمليات فحص الطرق وصيانتها أكثر سهولة وكفاءة. طائرات مسيرة من دون طيار، وذكاء اصطناعيّ، وأجهزة استشعار، وكاميرات حديثة عالية الدقة، تستطيع تغطية مئات آلاف الكيلومترات والوصول إلى حيث يعجز البشر، هي أبرز هذه التقنيات.

 · · 13 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right