تطبيق بصمتي: كيف تدفع أوسلو المواطنين نحو خيارات مستدامة

تطبيق بصمتي: كيف تدفع أوسلو المواطنين نحو خيارات مستدامة

1 دقيقة قراءة
يعكس المثل القائل بأن الإنسان أسير العادة واحدةً من أهم التحديات التي تمنع ملايين البشر من تبني ممارسات جديدة كفيلة بالحد من مساهمتهم في تلوث البيئة وتغير المناخ. وحتى أولئك الذين يبحثون عن إرشادات عملية واضحة يمكن قياسها لكي يحدثوا الفرق الإيجابي ضمن حياتهم اليومية يشعرون بالتشتت والحيرة تجاه الكم الهائل من المعلومات المتشابكة المتوفرة […]
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

يعكس المثل القائل بأن الإنسان أسير العادة واحدةً من أهم التحديات التي تمنع ملايين البشر من تبني ممارسات جديدة كفيلة بالحد من مساهمتهم في تلوث البيئة وتغير المناخ. وحتى أولئك الذين يبحثون عن إرشادات عملية واضحة يمكن قياسها لكي يحدثوا الفرق الإيجابي ضمن حياتهم اليومية يشعرون بالتشتت والحيرة تجاه الكم الهائل من المعلومات المتشابكة المتوفرة على الإنترنت وغيرها من المصادر. يبدو أن حي "بيديل فروجنير" في العاصمة النرويجية، أوسلو، قد أوجد حلاً مبتكراً لمعالجة حالة اللامبالاة لدى السكان أو نقص المعلومات التي يمكنهم ترجمتها بسهولة إلى واقع، من خلال تطوير تطبيق ديناميكي تفاعلي على الهاتف الجوال، يوفر فهماً معمقاً مبنياً على البيانات لكن بشكل مبسط، موجهاً مباشرة للمستخدم لجذب مشاركته اليومية وإلهامه لاتخاذ القرارات المناسبة واستبدال العادات السيئة بممارسات مستدامة بشكل تدريجي.

أطلق المسؤولون في حي "بيديل فروجنير" مبادرة "بصمتي الكربونية" الموجهة لسكان الحي، بالتعاون مع مجلس مدينة أوسلو، وشركات تكنولوجيا، كمبادرة نحو تحقيق رؤية أوسلو كمدينة ذكية. تهدف المبادرة المبتكرة إلى أن يكون حي "بيديل فروجنير" سباقاً في تحقيق هدف الاستدامة الطموح الذي أعلنت عنه أوسلو سابقاً من جهة خفض البصمة الكربونية للفرد الواحد في المدينة من 11 طن في السنة إلى 3 طن بحلول العام 2030. وتمثلت رؤية المبادرة في التحول إلى مجتمع وبيئة مستدامين من خلال خلق عالم يعيش فيه الأفراد بأدنى بصمة كربونية ممكنة، ويتمتّعون في الوقت ذاته بأفضل جودة للحياة.

لكن على الرغم من أن سكان "بيديل فروجنير"، وأوسلو عموماً، قد احتضنوا المفاهيم البيئية، مثل إعادة تدوير النفايات، وغيرها، إلّا أن الخطوة التالية والأهم المتمثلة بإجراء تغييرات في خياراتهم المعيشية، ونمط حياتهم، لخفض بصمتهم الكربونية ليس بالأمر اليسير. لذا اعتمدت مقاربة المبادرة على الاستفادة القصوى من التكنولوجيا التي توفرها منصة "بصمتي الكربونية" مثل تقنية "الوكز" (أو ما يسمى بالرسائل غير المُستدعاة التي تظهر على شاشة هاتف المستخدم بشكل تلقائي) وإرسال المعلومات المحددة القائمة على البيانات المتعلقة بنمط الحياة لكي تلهم المواطن وتحثّه على اتخاذ الخيارات الصحيحة.

وبذلك، تكون "بصمتي الكربونية" بمثابة وسيلة للتعلم المستمر وتبادل المعلومات وأداة تنمية لعلاقة تفاعلية يومية دائمة، عوضاً عن حملات التوعية قصيرة الأجل التي قد يتلاشى أثرها مع انتهائها. كما أدركت المبادرة أهمية تنمية الحس بالمسؤولية الجماعية التي يتضامن من خلالها السكان والأعمال التجارية والجهات والهيئات العامة في جهود تعاونية نحو هدف مشترك واحد.

تسعى منصة "بصمتي الكربونية" إلى جذب مشاركة المواطن من خلال توفير المعرفة والمعلومات والأدوات التي يتمكن على ضوئها من اتخاذ قرارات وخيارات تؤدي إلى خفض بصمته الكربونية، وتصبح مع مرور الوقت جزءاً من نمط حياته، فضلاً عن قياس مدى نجاحه في خفض بصمته، ومقارنة هذا النجاح مع غيره. ولتيسير نقل هذه المعرفة كان التحدي الأهم يتمثل في تبسيطها لتكون متاحة للجميع.

تتمحور المواضيع التي تلقي "بصمتي الكربونية" عليها الضوء حول خمس فئات تعدّ الأكثر تأثيراً على صعيد الاستدامة في الحياة اليومية، وهي المنتجات والخدمات، الطاقة، الأغذية، الخدمات العامة، والنقل. ويتميز محتوى المنصة بلغة سهلة خالية من التعقيد وبيانات ورسوم توضيحية، مع استمرار فريق عمل المبادرة بتطوير المنصة وإضافة حلول مبتكرة عليها. ونجحت المبادرة لغاية اليوم في جذب مشاركة فعالة وتواصل مستمر من قبل آلاف السكان في حي "بيديل فروجنير" كل أسبوع.

نظر فريق عمل المبادرة في البداية في المبادرات الفردية العديدة التي قام بها سكان الحي، على صعيد شخصي أو جماعي، لتكوين فهم حول مساعيهم ونظرتهم في طرق خفض بصمتهم الكربونية. وكشف هذا البحث عن عدة أمور، من أبرزها أنّ السكان لا يريدون تغييرات جذرية، بل هم منفتحون للتغيير التدريجي التراكمي الذي لا يعطل كثيراً نمط حياتهم اليومية، كما أن هناك وعياً متزايداً بينهم بأن خياراتهم اليومية لها أيضاً فوائد شخصية على صحتهم ونشاطهم. ومن جهة أخرى، لاحظ فريق العمل إحباط البعض لشعورهم بأن التحديات بالغة التعقيد لا يمكن تجاوزها.

وفي مرحلة تالية، استخدم الفريق بياناتٍ غير شخصية لقياس أثر مختلف المبادرات التي طرحتها مجموعات السكان. ثم وجّه دعوةً إلى مجموعة مختارة من السكان لتشكل مجموعة اختبارية، وافق أعضاؤها على استخدام معلوماتٍ من بياناتهم الشخصية، شملت تنقلاتهم، وتعاملاتهم المالية، واستهلاكهم للماء والكهرباء، وغيرها. ساعدت هذه الدراسة فريق العمل على تحديد البيانات التي تمكنهم من الوصول إلى فهم معمق لسلوكيات السكان.  

قد تكون إحدى أهم مقومات نجاح المنصة هو النهج الذي اعتمدته منذ بداية تصميمها، والذي ركز على بثّ الحماسة عوضاً عن التلقيم، وتشجيع السكان على مشاركة آرائهم وحلولهم، إيماناً من القيمين على المنصة بأن تجارب السكان ونصائحهم تلقى آذاناً صاغية بين مواطنيهم أكثر من توجيهات الخبراء، كونها نابعة من بيئتهم المشتركة. والميزة المهمة هنا تتمثل ليس في المساهمات المفيدة التي يقدمها سكان الحي للمبادرة فحسب، بل أن شعورهم بملكيتهم لها يعزز تطورها ونجاحها.  

اليوم، ما يزال مشروع "بصمتي الكربونية" في مراحله الأولى، والمجال مفتوح لمزيد من التعلم حول ما يصلح من الأفكار وما يمكن تحسينه، اعتماداً إلى حد كبير على ردود فعل المواطنين وآرائهم. فالمنصة توفر مساحة مخصصة لاستقبال اقتراحاتهم حول مختلف الأمور، والمحتوى والأدوات التي يرغبون في توفرها.

تعدّ تجربة "بيديل فروجنير" مرجعاً لمختلف المدن التي ترغب في جذب مشاركة سكانها الفعالة في خفض بصمتها الكربونية. لكن يتوجب عليها في البداية النظر في التحديات المحتملة، التي يمكن حصرها في ثلاثة: أولها أنّ صعوبة التأثير على الناس للتخلي عن مفاهيمهم وعاداتهم الحياتية الراسخة، ما يتطلب استراتيجيات فعالة قادرة على التحفيز القوي على تغيير السلوكيات وتبني ممارسات جديدة. ثانياً، إنّ شرح المفاهيم المتشابكة لشؤون الاستدامة بشكل مبسط يمكن لمعظم الناس إدراكه لجذب مشاركتهم، عمليةٌ معقدة تتطلب جهوداً متخصصة. أخيراً، إنّ إنشاء البنية التحتية للتكنولوجيا الديناميكية الذكية، مثل "بصمتي الكربونية"، وصيانتها، تتطلب موارد كبيرة، قد تواجه عراقيل على مستوى الجهوزية والوصول التقني.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

المستشعِرات الحيوية … البيولوجيا ترصد البيولوجيا

في سعي العلم الدائم وراء الدقة والمعرفة الأعمق، تبرز المستشعِرات الحيوية بوصفها أجهزةً تحليليةً متطوّرةً تجمع بين عناصر الاستشعار البيولوجية ومحوّلات الطاقة لرصد المواد وقياسها، فتبشِّر بتغيير قواعد اللعبة في مجالاتٍ كالرعاية الصحية والمراقبة البيئية وسلامة الأغذية.

 · · 18 يونيو 2025

الدماغ الفائق … ابتكارٌ يبصرُ به المكفوفون

ضمن قفزةٍ رائدةٍ في تقنية المُعينات، طوّرت شركة "سيفِن سينس" من مقرِّها في إستونيا جهاز "الدماغ الفائق"، الذي يسمح لضعيفي البصر والمحرومين منه بـ "الرؤية" من خلال حاسة اللمس، باستخدام التقنيات المتقدّمة التي ترسم صورةً ذهنيةً للواقع فتطرح معايير جديدةً في هذا العالم.

 · · 18 يونيو 2025

حلولٌ مستوحاةٌ من الطبيعة… العفن يرسم خريطة لمحطات شحن المركبات الكهربائية

من الملهم أن يجد الباحثون حلولًا لأكبر التحديات في أصغر الكائنات. هذا ما فعله باحثون في سعيهم لتطوير البنية التحتية للمركبات الكهربائية، فاستوحوا من العفن الغروي طريقةً لإنشاء شبكة شحنٍ متعدّدة الأغراض توفِّر الوقت والتكلفة والأثرَ البيئيّ. مع التحول العالمي نحو وسائل نقل نظيفة، من المتوقع أن تحتل المركبات الكهربائية مكانة الصدارة في مستقبل النقل […]

 · · 23 مايو 2025

هامبورغ تطورّ الذكاء الاصطناعي محلياً لتحديث العمل الحكومي

مع تسابق حكومات العالم للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات سعياً لزيادة فعالية عملية اتخاذ القرار ورفع كفاءة خدماتها وسبر آفاق جديدة في العمل الحكومي، باشرت هامبورغ باختبار فعالية نموذج مبتكر من نماذج اللغات الكبيرة (LLM) أو برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، طورته المدينة الألمانية محلياً ليس بهدف تحسين آليات تقديم الخدمات العامة فحسب، بل ولإعادة تصور إطار عمل تلك الخدمات والارتقاء بها إلى مستويات غير مسبوقة.

 · · 23 مايو 2025

مشروع أحياء الابتكار في هلسنكي يحول الضواحي إلى مختبرات حية

تتّخذُ غالبية مجمعات الابتكار، سواءٌ أكانت أكاديمية أو تكنولوجية أو صناعية، من مراكز المدن ومحيطها مقراً لها. لكن عاصمة فنلندا، هيلسنكي، وجّهت أنظارها صوب ضواحي عاصمتها، ليس لتنميتها فحسب بل ولتحويلها تدريجياً إلى مناطقَ ذكيةٍ للعيش والعمل، وجعلها محرّكاً للنمو الاقتصادي القائم على الابتكار على الأمد الطويل، لكي تواكب التنمية، مثل باقي أحياء مدينة هلسنكي، من خلال تبني الأفكار الجيدة وتطويرها ضمن مشاريع تعاونية عملية. يأتي ذلك ضمن رؤية هلسنكي في أن تحتل مكان الريادة بين مدن العالم الذكية.

 · · 23 مايو 2025
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right