لحثِّ الخطى صوب الحياد المناخي، الهدف المرجو لمنتصف القرن الحادي والعشرين، ابتكرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسيلةً جديدةً لتخفيف عبء البيروقراطية عن أصحاب مشاريع الطاقة المتجددة، الشمسية على وجه الخصوص، عبر منصةٍ إلكترونية تدرس خطة المشروع وتمنحه التصريح القانوني تلقائياً، فتختصر وقت المعاملات من أسابيع إلى دقائق.
في مؤتمر المناخ العالمي السابعة والعشرين، أكّدت الإدارة الأمريكية تمسُّكَها بأهداف الأمم المتحدة لحلّ أزمة الكوكب، وتحقيق الأمن الإنساني والاقتصادي والبيئي، والوصول إلى الحياد المناخي بحلول العام 2050.
أهداف طموحة كهذه ومحكومة بنافذة زمنية ضيقة تحتاج إلى جهود مكثفة تضمّ عشرات آلاف الفنّيين الذين يعملون لإنشاء منظومات الطاقة الشمسية في كلّ الولايات الأمريكية، فلدى حكومتهم هدفٌ إضافيّ، وهو الحصول على كهرباء نظيفةٍ بنسبة 100% بحلول العام 2035، هدفٌ مَرَدُّهُ الإدراك بأنّ أيّ طريقٍ تسلكه الدولة صوب الحياد المناخي يجب أن يمرّ بإزالة الكربون من قطاع الكهرباء الذي يخدم كلّ القطاعات الأخرى.
وعلى إثر هذا التوجه، انتشرت مشاريع الخلايا الشمسية على جميع المستويات، الصغيرة منها كالخلايا المثبتة على أسطح المنازل، والكبيرة كمزارع الطاقة الشمسية الممتدة على مساحات واسعة. وقد عانى الكثير من أصحاب تلك المشاريع من التأخير بسبب تعقيد عملية الحصول على التصاريح. كما أنّ هذه الظاهرة تتباين من ولايةٍ لأخرى، كلٌّ حسب قوانينها ومتطلّباتها الخاصة. وفي بعض الحالات التي يبلغ فيها تعقيدُ الإجراءات أوجَه، تُحجِم الشركات ويتوقف السكان حتى عن المحاولة.
ولأنّ هذه العقبة إجرائيةٌ بحتة، فقد أخذ المختبر الوطنيّ للطاقة المتجددة على عاتقه تنسيق الجهود مع الحكومة لإيجاد مقاربةٍ مبتكرةٍ لتيسير هذه المشاريع، لتنضمّ إليه في هذا المسعى العديدُ من منظّمات قانون البناء الدوليّ ومقدِّمي الخدمات البرمجية الخاصة بمنح التصاريح إلى جانب شركاء فاعلين ضمن القطاع.
أثمر هذا التعاون عن إطلاق منصة إلكترونية تحمل اسم "سولار آب بلَس" (SolarAPP+) ويشير إلى وسيلة أكثر ذكاء للدفع بمشاريع الطاقة الشمسية قُدُماً. هذه المنصة عبارة عن بوابة مجانية مفتوحة يمكن للناس زيارتُها وإدخال معلومات عقاراتهم وتفاصيل المشاريع والمتعهِّدين المُرشَّحين لتنفيذها، لترجِع المنصة تلقائياً إلى التعليمات البرمجية المُدخلة إليها، فتقيّم الخطةَ ومدى أمانِها وتوافُقَها مع آليات التركيب المعيارية. وعليه، تُصدر التصاريح للشركات أو الأفراد المؤهّلين لتثبيت أنظمة الخلايا الكهروضوئية السكنية.
تهدف المنصة بشكل أساسي إلى دفع أهداف الطاقة النظيفة قدماً، حيث أن السياسات الفيدرالية والمحلية لم تكن كافيةً لتحقيق النتائج المرجوة، كما لم تكن كافية لخفض تكاليف التجهيزات، إذ لم تتعدَّ نسبة منظومات الطاقة الشمسية 3% من إجماليّ منظومات توليد الطاقة في البلاد، ذلك أنَّ سهولةَ عمليات التركيب تقابلها صعوبةٌ في الحصول على التصاريح الحكومية التي قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهراً نتيجة تعقيد الإجراءات البيروقراطية والنقص الحاد في الكوادر الحكومية، ما قد يسبّب حالةً من الإحباط لدى مالكي المنازل ومقدِّمي الخدمة على حدٍّ سواء.
ليس هذا سوى نذرٍ يسيرٍ من فترات الانتظار التي يمرّ بها أصحابُ المشاريع الكبرى الطامحون لإنشاء منظومات طاقة شمسيةٍ واسعة النطاق، فما من مستثمرٍ قد يختار تجميد تمويله لسنوات ريثما يحصل على الموافقات القانونية.
أما المنصة الجديدة فأنها تتيح نماذج للتصميمات التي توافق قانون البناء، بحيث يمكن للمقاولين مقارنةُ تصاميمهم بها قبل تقديمها. وإذا كان الطلب يتعلّق بتركيب منظومة الطاقة الشمسية في منزل ما، يُقدّر أنّ إصدار التصريح يستغرق 15 إلى 60 دقيقة.
بعد التجربة الأولى لهذا النظام في 4 نقاط متفرّقة بولايتَي أريزونا وكاليفورنيا، تواصل إدارة المنصة العمل مع الولايات القضائية للوصول إلى صيغةٍ موحّدةٍ للعمليات والمتطلّبات التي يتعيّن على المتعهّدين تلبيتُها للحصول على التصاريح.
لتشجيع الحكومات المحلية على استخدام التطبيق، أطلقت وزارة الطاقة جائزةً خاصةً به ومنحتها لمدينة دنفر التي كانت سلطاتُها المحلية، ممثّلةً بإدارة التخطيط والتنمية المجتمعية، سبّاقةً لمشاركة الوزارة وتبنّي هذا الابتكار، بعد أن منحت في العام السابق لذلك تصريحاتٍ لقرابة 3800 مشروع طاقةٍ شمسية.
ثم جاءت كاليفورنيا، أحد الولايات النشطة في الطاقة النظيفة، لتنقلَ المسألة إلى مستوى جديد، فأطلقت برنامجها الخاص ضمن مبادرة لجنة الطاقة، وتقدّم بموجبه المِنَح والمساعدات للمدن والمقاطعات لتبنّي التطبيق الحكوميّ. وقد استطاعت هذه المبادرة اجتذاب عشرات الإدارات المحلية في الولاية وتعويض وقت الموظّفين إلى جانب العديد من الموارد التي تحتاجُها سلطةٌ محليةٌ ما لتبنّي التطبيق.
منذ تأسيسها، منحت المنصة تصاريح لأكثر من 10 آلاف مشروعٍ في مدنٍ مختلفة، ما وفّر أكثر من 10 آلاف ساعة. تُترجَم هذه الأرقام إلى اختصار أسبوعين من الجدول الزمنيّ لكلّ مشروع، ما يعني تخفيفاً أسرع لتكلفة الكهرباء التقليدية كذلك.
وعلى المدى البعيد، من المأمول أن تساهم هذه المنصة في تسهيل عمليات إصدار التصاريح وتقليص هامش الروتين والإجراءات البيروقراطية، فتوفِّر الوقت والجهود والتكلفة على المواطنين والحكومات المحلية والمقاولين، وتبقي على الزخم في سير الولايات المتحدة الأمريكية صوب قطاع كهرباء نظيف بحلول العام 2035.
المراجع:
- https://www.nytimes.com/2023/02/23/climate/renewable-energy-us-electrical-grid.html
- https://pv-magazine-usa.com/2022/09/28/california-law-to-require-automated-instant-rooftop-solar-permits/
- https://www.energy.gov/eere/solar/streamlining-solar-permitting-solarapp
- https://www.energy.gov/eere/solar/articles/new-solar-permitting-prize-everyone-winner
- https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2021/10/US-Long-Term-Strategy.pdf
- https://calssa.org/
- https://www.reuters.com/business/sustainable-business/us-seeks-speed-rooftop-solar-growth-with-instant-permits-2021-07-15/