في سياق مساهمة البلديات في الجهود الرامية إلى الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض، عثرت مجالس المدن في المملكة المتحدة على حلّ مبتكر، سنّت على أساسه العديد من القوانين واللوائح، وأتْبعتها بتعليمات وإرشادات تتعلق بكيفية اختيار وتركيب طوب طائر السمامة وطوب النحل.
في عالم اليوم، وبالترافق مع الطفرة الحضرية الإسمنتية، يواجه التنوّع البيولوجي تحديات جمّة، جعلت تنوع الكائنات الحية في المناطق الحضرية أمام منعطف خطر يهدد وجوده. الأمر ينطبق أيضاً على المملكة المتحدة التي فقدت منذ مطلع القرن العشرين 13 نوعاً من النحل فيما عُدّ 35 نوعاً آخر أنواعاً مهددة بالانقراض. والحال مشابهٌ أيضاً لدى طيور السمامة، التي شهدت أعدادها في المملكة المتحدة انخفاضاً كبيراً، وضعها في القائمة الحمراء لأنواع الطيور المهددة بالانقراض، التي باتت تضم 70 نوعاً.
ولكن، ما هي هذه الأنواع المهددة بالانقراض وما علاقتها بالبنيان؟ إن السمامة طائر متوسط الحجم، بذيل قصير متشعب وأجنحة طويلة هلالية الشكل مسرحة إلى الخلف. يتشابه ظاهرياً مع السنونو، لكنه أكبر قليلاً. يملك أرجلاً قصيرة جداً يستخدمها فقط في التشبث بالأسطح العمودية، لذلك يصفونه بأنه "طائر حائطي"، يبني عشّه تحت حواف المباني القديمة. يغفو أثناء طيرانه، ولا يستقر طواعيةً على الأسطح الأفقية. كما إنه طائر عاطفي، أحادي التزاوج. تبقى الأزواج معاً طيلة الحياة، وتعود مع فراخها إلى العش نفسه. وهي تكرس نفسها لمنازلها، لدرجة أن بعضها يقتل نفسه في محاولة للعودة إلى عش أغلقه تعديل عمراني. أما النحل الانفرادي، فهو نوع من النحل، كما يوحي اسمه، لا يعيش في مستعمرات، وهو ليس عدوانياً في حماية أعشاشه، ويلعب دوراً مهماً في النظام البيئي الطبيعي في بريطانيا، إذ يشكل ما يقرب من 250 نوعاً من نحو 270 نوعاً من النحل يعيش فيها.
لاحظ المعنيّون أن المسألة تفاقمت مع هدم المباني القديمة، وتجديدها، ومع إغلاق جدران المباني الجديدة إغلاقاً تامّاً، الأمر الذي أدّى إلى تراجع في عدد المواقع التي تتيح لطائر السمامة أن يعشش فيها. وإزاء هذه الحال، بادرت بعض المجالس البلديّة الإنجليزية إلى المساعدة في تطوير أعشاش للحياة البرية داخل المباني الجديدة، من خلال تصنيع طوب ملائم لطائر السمامة وطوب ملائم للنحل، وإدماجهما في أعمال بناء جميع المنازل وجميع المباني الجديدة التي يزيد ارتفاعها عن خمسة أمتار.
جاء تصنيع طوب السمامة على شكل طوب مجوف، فيه فتحة مدخل للطيور. أمّا طوب النحل ففيه الكثير من الثقوب الصغيرة التي تسمح بتعشيش النحل.
في برايتون آند هوف، تتطلب قوانين التخطيط الجديدة من المطورين أن يركبوا طوب النحل وطوب السمامة في جميع المباني الجديدة التي يزيد ارتفاعها عن خمسة أمتار. فيما اعتمد مجلس هاكني لوائح تطلب من مشاريع البناء الجديدة أن تشمل طوب السمامة. ومن ثمّ تبنت مجالس كورنوال ودورست سياسات مماثلة.
لم تأت هذه القرارات من دون جدل اجتماعي. إذ ينظر بعض العلماء بعين الريبة من فعالية طوب النحل الانفرادي في تحسين التنوع البيولوجي، ويرون أن حسن النوايا قد يؤتي عواقب غير مرغوب فيها، ويتخوّفون من مخاطر أن تجتذب العث وتزيد من انتشار الأمراض، كما يساورهم القلق من أن هذه الخطوة يمكن أن توجه الانتباه بعيداً عن التحديات الأساسية التي تواجه التنوع البيولوجي في المملكة المتحدة.
على الطرف الآخر، يرى أنصار هذه المبادرة أن الفوائد تفوق المخاطر، ويؤكدون أن خلايا النحل الموجودة في المدن تنتج نحلاً أكثر صحة وإنتاجية، ويراهنون على قدرة النحل على التخفيف بنفسه من أية مشكلات محتملة، كونه يتمتّع طبيعياً بسلوك صحيّ يسمح له بالتخفيف من المخاطر، يجعله يقيّم حالة الثقوب قبل استخدامها. كما يرون أن الطوب مصنوع من الخرسانة وليس الخشب، ما يجعله أقل ملاءمة للحشرات التي تتغذى على العفن.
لا يشهد طوب السمامة الجدل ذاته، على الرغم من أنه قد لا يوفّر ملاذاً للسمامة فحسب، بل قد يوفّر لأنواع أخرى من الطيور، وحتى الخفافيش، فرصاً سكنية جديدة.
مجلس بلدية هاكني في لندن مندفعٌ في هذا الاتجاه، وعلى ثلاثة محاور: محور التخطيط المستقبلي لعمليات التشييد والبناء، ومحور ضمان بناء أعشاش سمامة دائمة في جميع مشاريع الإسكان الجديدة التي ينفذها المجلس، بالإضافة إلى محور تحديد وإنشاء سجل للمساكن والمباني الحالية المملوكة للمجلس حيث يمكن تركيب "صناديق سمامة" بأثر رجعي.
تختلف "صناديق السمامة" عن "طوب السمامة" المدمج أصلاً في البناء، في كونها تركيبات خارجية مصنوعة من مواد أخرى، تضاف إلى المباني أسفل رفراف الأسطح، بتصميمات مختلفة، توفّر موئلاً مناسباً لهذا الطائر المهدد بالانقراض.
المراجع:
https://news.hackney.gov.uk/swift-awareness-week-off-to-a-flying-start/