الطائرات المسيرة تغيّر طريقة توصيل الدم في بعض البلدان الأفريقية

الطائرات المسيرة تغيّر طريقة توصيل الدم في بعض البلدان الأفريقية

1 دقيقة قراءة
يزخر العالم المعاصر بتحديات تستدعي حضور الابتكار والتكنولوجيا.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

يزخر العالم المعاصر بتحديات تستدعي حضور الابتكار والتكنولوجيا. الأمر الذي دفع دولتين أفريقيتين إلى تجربة استخدام الطائرات المسيّرة لإيصالِ المستلزمات الطبية الطارئة إلى المرافق الصحية الريفية وتمكينِ الطواقم الطبية من إنقاذ الأرواح التي يفقدونها في انتظار الإمدادات الطبية.

رغم التقدُّم الذي بلغه الطبّ، يفقد الكثيرون حياتَهم لأسباب يمكن تجنُّبها. وتهدد مخاطر صحية مرتبطة بصحة الأم وجنينها كالنزيف والمخاض غير الآمن ملايين النساء وأطفالهن. لذا، تلجأ المنظمات الصحية للتقنيات الحديثة كالطائرات المسيّرة لإيصال الأدوية والأجهزة الطبية كأجهزة تنظيم ضربات القلب أو أكياس الدم. ولعلّه من البديهيّ أن يشيعَ هذا التوجه في البلدان مرتفعة الدخل، في مقابل مشهدٍ أكثرَ تعقيداً في البلدان الأفقر.

ففي بوتسوانا الأفريقية، تعاني النساء في المناطق النائية بسبب نقص المستلزمات الطبية والدم، ففي حالات النزيف أثناء الولادة، ينبغي أن تستقرّ حالة الأمّ ومدُّها بالدم قبل نقلِها إلى مرفقٍ صحيٍّ مُجهَّز، إلّا أنّ إيصال الإمدادات الطبية يمثِّل تحدّياً في بلدٍ كبير المساحة وقليل السكان حيث تفصل عشرات الكيلومترات بين المرافق الصحية المتقدِّمة والمتواضعة، ناهيك عن نقص المركبات وتعذُّر الوصول إلى بعض المناطق وعدم فعّالية أنظمة سلاسل التوريد. ومما لا شك فيه أن هذه  الحقائق تعيق عمليات تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تتضمن تحسين جودة حياة السكان.

وبالمثل، تعاني رواندا المشكلةَ نفسَها، إلا أنّ ثمة تفصيلاً يزيدُها تعقيداً، وهو أنّ نسبة 83% من تعدادِها السكانيّ البالغ 12 مليوناً يعيشون في الأرياف. وفي حالات الولادة والحوادث، يصعب نقل الدم في الطرق الجبلية الوعرة وعبر سلسلة الإجراءات البيروقراطية، الأمر الذي دفع المرافق الصحية لتخزين كمياتٍ أكبرَ من حاجتها. لكن هذا ليس حلاً نهائياً، فبعض المكوِّنات كالصفيحات الدموية– وإن حُفِظَت في مكانٍ بارد– تَفسُد في غضون أيام، ما يفاقم خطرَ مضاعفات الملاريا الذي يواجه أطفال شرق أفريقيا.

لذا، لجأت حكومتا كلٍّ من بوتسوانا ورواندا إلى الطائرات المسيّرة لإيصال المستلزمات الطبية حيثما تستدعي الحاجة، وفي أيّ وقتٍ كان.

في بوتسوانا، تعاونت الحكومة وصندوق الأمم المتحدة للسكان وجامعة بوتسوانا الدولية للعلوم والتكنولوجيا لإطلاق المشروع الذي حمل اسم "طائرات مسيّرة من أجل الصحة"، وهو الأول من نوعه في جنوب أفريقيا، في حين وقّعت الحكومة الراونديّة عقداً مع شركة "زيب لاين" لتطبيق التقنية.

سيبدأ المشروع البوتسواني بفترةٍ تجريبيةٍ في 4 قرى، حيث سيجري اختيار المرافق الصحية التي ستُختَبر فيها التقنية، والتي تُخدِّم آلاف السكان، ومن ثم ستتم برمجة الطائرات لتقوم بعمليات الإقلاع والهبوط تلقائياً. ستعمل هذه الطائرات على البطارية، وفي حالة الشحن الكامل، يمكنها قطع مسافة تصل إلى 100 كيلومترٍ بحمولة قرابة كيلوغرامين، كما يمكنها تكرار العملية. وقد حظي المشروع بدعم المجتمعات المحلية، حيث تولّى الريفيّون بناء جميع منصات الهبوط في المراكز الصحية المُختارة.

أما في التجربة الراوندية التي انطلقت في العام 2016، فإنّ الطائرات تحمل الدمَ ضمنَ أكياسٍ وريديةٍ من مركزَي توزيع إلى المرافق الصحي، وحين تصل، تقوم بإنزاله في صندوقٍ من الورق المقوَّى المعزول من دون أن تحتاج للهبوط. بهذا، يستطيع المركزان يومياً إتمامَ 500 عملية تسليمٍ تتضمّن العناصر النادرة كالبلازما، فيما يعمل فريقٌ من مشغِّلي الرحلات، في الوقت نفسِه، على مراقبة الطقس واختيار المسار الأفضل لكلّ عملية.

وقد استفادت الحكومة من أنظمة البيانات الإلكترونية المتقدِّمة المتاحة لديها، والتي تمكِّن وزارة الصحة من تتبُّع أعداد المرضى الذين يراجعون الأطباء والنساء المُقبلات على الولادة وأعدادَ المصابين بالأمراض المعدية كالملاريا، وهو ما سهّل على الفريق التنفيذيّ قياس أثرِ المشروع وتحدّياته.

كما استطاع الراونديّون اجتياز التحديات التي تفرضها التركيبة السكانية الريفية عادةً، فالحكومة تسعى دوماً لتوظيف ابتكارات التكنولوجيا الصحية، واستطاعت إيصال نظام الرعاية الصحية الشامل إلى أكثر من 90% من السكان. وسبق لها في العام 2009 أن أطلقت مشروع "الرسائل النصية السريعة" الذي استطاع خلال 4 سنوات ربطَ 15 ألف قريةٍ بشبكةٍ واسعةٍ من الأطباء والمستشفيات وسيارات الإسعاف، فساعد في تتبُّع وفيات الأمهات والأطفال والاستجابة لأيِّ طارئ.

من التحديات الأخرى التي تتسبب في تخوُّف بعض السياسيين من استخدام هذه الطائرات لإلقاء الأجسام المتفجرة أو الضارة، فأيّ جسمٍ قادرٍ على حملِ الفائدة للناس، يستطيع إلحاقَ الضرر بهم بالدرجةِ نفسِها. لكنّ التحدّي الأكبر يبقى تقنياً، وهو يتعلق بحجم البطارية واستطاعتِها، حيث تستطيع هذه الطائرات حالياً إنجازَ عملياتٍ أحاديةِ الاتجاه، إذ يمكنها إلقاء الحمولة فقط، وليست مؤهّلةً للهبوط وحمل العينات.

لكنّ تقارير الفترة ما بين العامين 2017 و2019 أشارت إلى أنّ هذه الطائرات قطعَت 13 ألف رحلة توصيل، استغرقت أطولُها 41 دقيقة مقارنةً بساعتين يستغرقها إيصال الإمدادات برياً. وهي اليوم تغطّي 80% من مساحة البلاد. والأهم، هو أنَّها خفّضت هدرَ الدم بنسبة 67% خلال عامٍ واحد. وتستمرّ الأبحاث حالياً لقياس كلفة هذه المبادرة وآثارها الأخرى.

بالنسبة لبلدٍ كبوتسوانا، تقدِّم هذه المبادرة ثورةً في تقديم الخدمات الطبية الأساسية، فهي لن تحسِّن صحّة الأمومة فحسب، بل ستغيِّر شكلَ المنظومة الصحية بأكملها، وستختصر وقتَ نقل المستلزمات الطبية من ساعاتٍ إلى دقائق، لتحقِّقَ هدفَ الحكومةِ الأبعدَ بألّا تفقد أي امرأة حياتهاٌ بينما تمنح الحياة للآخرين.

المراجع:

https://news.un.org/en/story/2021/05/1092512

https://www.wired.com/story/drones-have-transformed-blood-delivery-in-rwanda/

https://www.thelancet.com/journals/langlo/article/PIIS2214-109X(22)00048-1/fulltext

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

كيف تثري لوحات البيانات قضية السلامة العامة بثقافة المساءلة

بهدف تأسيس حالةٍ من الشفافية والمساءلة، بدأت المدن الأمريكية بإطلاق لوحات بياناتٍ إلكترونيةٍ تجمع كلّ المعلومات المتعلّقة بالجرائم، وبأداء وكالات إنفاذ القانون، وتتيح الحقائق لمواطنيها لاطلاعهم على سير العمل وجعلهم جزءاً من عملية صنع القرار.

 · · 13 نوفمبر 2023

الذكاء الاصطناعيّ والطائرات المسيرة تساعد الحكومات المحلية في صيانة الطرق

لأنّ جودة الطرق عاملٌ رئيسيّ في سلامة مستخدميها، بدأت عدّة دول كالمملكة المتحدّة وليتوانيا باستخدام التقنيات المتطوّرة لجعل عمليات فحص الطرق وصيانتها أكثر سهولة وكفاءة. طائرات مسيرة من دون طيار، وذكاء اصطناعيّ، وأجهزة استشعار، وكاميرات حديثة عالية الدقة، تستطيع تغطية مئات آلاف الكيلومترات والوصول إلى حيث يعجز البشر، هي أبرز هذه التقنيات.

 · · 13 نوفمبر 2023

وكالات ضريبية تستعين بالذكاء الاصطناعي في التفتيش العقاري

سعياً إلى الارتقاء في عمليات التقييم العقاري وتحسين عمليات ضبط المخالفات العقارية، ورغبةً في الحدّ من محاولات التهرّب من دفع الرسوم الضريبية الكاملة ورفع مستويات الامتثال، عمدتْ السلطات المحلية في مدن وبلدات أوروبيّة وأمريكيّة مختلفة إلى استخدام التصوير الجوّي المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي وبتقنيات حديثة أخرى، في تفحّص العقارات وتقييمها، ومن ثمّ فرض الرسوم الضريبية المناسبة على أصحابها.

 · · 13 نوفمبر 2023

إندونيسيا تضع البيانات الصحية في متناول أيدي مواطنيها

على خطى التجارب الرقمية الناجحة للدول الأخرى، تعمل إندونيسيا على إنشاء سجلّ صحيّ إلكترونيّ موحّد يتضمّن التاريخ الطبيّ لكلِّ مواطنٍ على حدة، ويتيح مشاركة المعلومات بين المرافق الصحية بسهولة والرجوع إليها وتحديثها في أيّ وقت.

 · · 1 نوفمبر 2023

المنصّة الشاملة: التركيز على المواطنين في الخدمات الحكومية الرقمية

تتوالى المدن حول العالم في انضمامها إلى سباق رقمنة الخدمات العامة. وظهر مؤخراً توجّه لتمكين الناس من توثيق الأحداث الكبرى في حياتهم وإجراء معاملاتها عن بُعد، كما في الولايات المتحدة وسنغافورة، وذلك من خلال منصات رقمية تجمع عدة خدمات حكومية عبر بوابة واحدة.

 · · 1 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right