الصين تستعد لمستقبل السيارات ذاتية القيادة

الصين تستعد لمستقبل السيارات ذاتية القيادة

1 دقيقة قراءة
ضمن سعيها لتحقيق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعيّ، سمحت مدن الصين باختبار المركبات ذاتية القيادة، فيما تعمل الكيانات التشريعية على وضع اللوائح التي تنظم استخدام هذه التكنولوجيا وتضمن سلامة مستخدميها.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

ضمن سعيها لتحقيق الريادة في مجال الذكاء الاصطناعيّ، سمحت مدن الصين باختبار المركبات ذاتية القيادة، فيما تعمل الكيانات التشريعية على وضع اللوائح التي تنظم استخدام هذه التكنولوجيا وتضمن سلامة مستخدميها.

منذ الظهور الأول لمفهوم المركبات ذاتية القيادة، لم يتوقّف الجدل بين المتفائلين بها والمتخوِّفين منها، لكنّها استمرت في التطور على أية حال، مثيرةً المزيد من التساؤلات حول ما إذا كانت ستصبح يوماً ما واقعَنا الجديد.

وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، تودي حوادث الطرق بحياة أكثر من 1.3 مليون شخص سنوياً، وترجع غالبيتُها العظمى إلى أخطاء بشرية، كما تتسبّب وسائل النقل التقليدية بقرابة رُبع انبعاثات الغازات الدفيئة و10% من استهلاك الوقود الأحفوريّ. ويرى الكثيرون في المركبات ذاتية القيادة وسيلة لتعزيز السلامة المرورية. وفي حين تُستخدم هذه التكنولوجيا في بعض البيئات الصناعية والمناجم والموانئ، فهي لم تصبح بعد جزءاً من المشهد المعتاد في مدن العالم المعاصر، لكنّ هذا لم يمنع ظهور بعض التجارب الجريئة، جاءت أحدثُها من الصين، التي بدأت اختبار التقنية.

بعد عامين من التجارب، أصدرت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح دليلاً توجيهياً مشتركاً لتعزيز ابتكارات المركبات ذاتية القيادة وتطويرها، لتبدأ التجارب الواقعية في العديد من المدن، التي سمحت لسيارات الأجرة بالعمل في المناطق منخفضة الازدحام وضمن سيناريوهات يمكن التحكّم بها، وبدأت بتشجيع نشر الحافلات المستقلّة على مسارات محدّدة، وذلك بعد أن وضعت وزارة النقل مسودة قانون تَنظُمُ العملية وتحدّد رسومَها وتحظر استخدام هذه المركبات في نقل البضائع الخطرة.

في شنغهاي، أصدرت السلطات قواعدَ شاملةً للمركبات الذكية والمتصلة بالإنترنت، ووضعت تشريعاتٍ تحدّد صيغة المساءلة القانونية في حالة وقوع حوادث للسيارات ذاتية القيادة. وقد حدّدت المدينة مجموعةَ شروطٍ لا بدّ للشركات من تحقيقِها لنيل التصاريح التي تخوّلها نشر مركباتِها على الطرق، مثل تسجيلِها لدى وزارتَي الأمن العام والنقل، في حال كانت المركبات ستقدّم خدماتٍ مأجورة.

أما مدينة شنجن، فقد مضت سلطاتُها أبعد وطرحت السؤال الجَدَليّ: من يتحمل المسؤولية حين تقترف المركبات ذاتية القيادة خطأً ما؟ وبناءً على الإجابات، أدرجت اللوائح عدة حالات. مثلاً، إذا كان ثمة سائق خلف المقود، فهو يتحمل مسؤولية وقوع حادث، وإن كانت السيارة ذاتية القيادة بالكامل، تقع المسؤولية على مالكها أو مشغِّلها، أما إذا كان الحادث ناتجاً عن عيب في السيارة، يمكن لمالكِها مطالبةُ الشركة المصنِّعة بتعويض.

وقد توصلت سلطات المدينة إلى هذه اللوائح بعد تقسيم القيادة الذاتية إلى 3 مستويات، أوّلُها القيادة الذاتية المشروطة، حيث تستطيع المركبة أداء بعض المهام الديناميكية بشرط وجود سائق، والثاني هو القيادة الذاتية شبه الكُلية، التي تُعرف بـ"القيادة الذاتية جداً"، وهي تتشابَه مع سابقتِها بضرورة وجود سائق، لكنّها تستطيع تأدية جميع المهام الديناميكية. أما المستوى الثالث، فهو القيادة الذاتية بالكامل، حيث تستطيع المركبة العملَ بشكلٍ مستقلٍ كلياً دون الحاجة لسائق.

أما في بكين، فقد سمحت السلطات لسيارات الأجرة ذاتية القيادة بالعمل لكن دون إصدار لوائح رسميةٍ تَنظُمُ العملية بالكامل، بل بمنح تصريحٍ فرديّ لكلّ سيارة على حدة.

عقب هذه الخطوات، بدأت الكثير من الشركات بإجراء الاختبارات والإعلان عن الاستثمارات والخطط الجديدة لنشر هذه المركبات في سائر المدن الصينية. ففي يوهان مثلاً، تضمّنت التجارب السابقة سائقاً، أما الآن فسيُسمح للمركبات ذاتية القيادة بالكامل أو التي يتم التحكّم بها عن بعد، بالعمل في منطقتَين تجريبيتَين بين الساعة التاسعة صباحاً والخامسة مساءً، وبوجود تغطية الجيل الخامس التي تسمح بمراقبة العمليات.

تتميز التجربة الصينية باستخدام تقنية تحديد المكان عن طريق الضوء "الليدار"، وهي تكنولوجيا استشعار عن بُعد تستخدم نبضات الضوء لحساب المسافات أو الأبعاد. كما أنّ معطيات حركة المرور المعقّدة في الصين تمثِّل فرصةً لشركات السيارات ذاتية القيادة لتحسين تقنياتها ومنتجاتها وخدماتها. تعتبر الصين أيضاً أحد أكبر مصنعي السيارات في العالم، حتى أنّ مدينة قوانتشو، وهي مصدر رئيسي لتصنيع السيارات في البلاد، أنتجت 2.95 مليون سيارة في العام 2020 وحدَه.

لكنّ تكريسَ هذه التكنولوجيا كواقعٍ جديد سيواجه تحديات كثيرة، أبرزُها إيجادُ سبلٍ لعمل هذه المركبات في بيئاتٍ بشريةٍ معقّدةٍ وغير متوقّعة، ففي حين يمكننا ضمانُ التزامِ الآلة بالتعليمات، لا نستطيعُ ضمانَ الإنسان. بالتالي، لعلّ أكثرَ ما تحتاجه هذه السيارات في المرحلة الأولى من نشرِها على الطرقات هو القدرة على التعامل مع السائقين العاديين حين يتجاوزون حدود السرعة أو يخرقون قوانين السير.

كما أنّ كلّ ما أُجريَ من اختباراتٍ لم يقدّم القدر الكافي من البيانات الدقيقة التي تغطّي السيناريوهات المختلفة، فالظرف المروريّ يعتمد على مئات المتغيرات كإشارات المرور وواجهات الأبنية والغطاء النباتيّ والمنازل ومواقف السيارات والشاحنات المتوقّفة مؤقتاً وأعمال الحفريات وممرات المشاة والسكك الحديدية وغيرِها.

وهذا ليس سوى بداية لائحةٍ طويلةٍ تتضمّن وضعَ القوانين وإعادة التفكير في تصميم الطرق السريعة والبنى التحتية والمدن، ومدى تقبُّل العامة لنقلة بهذا الحجم، خاصة أنّهم لا يرون إلّا مقاطع مصوَّرةً مختارة بعناية، وهذا لا يكفي لتقييم المخاطر وتكوين صورةٍ وافيةٍ عن العملية.

لكنّ هذه الخطوات هي المرة الأولى التي يعمل فيها المشرِّع الصينيّ على وضع إرشادات فعليةٍ وأطرٍ قانونيةٍ لنشر المركبات ذاتية القيادة في البلاد.

يمكن لهذه المركبات أن تعيد تشكيل علاقتَنا بالنقل، وتقدّم تجربةً جديدةً بالحدّ الأدنى من المخاطر، وأن تؤسِّسَ لمنظومات نقلٍ أكثرَ سلاسةً وأماناً، وتخفض الانبعاثات الكربونية، وتكرِّسَ أنماط حياةٍ أكثرَ استدامة، وتساعد ببناء مدن المستقبل.

المراجع:

https://www.bbc.com/future/article/20211126-how-driverless-cars-will-change-our-world

https://www.reuters.com/technology/china-drafts-rules-use-self-driving-vehicles-public-transport-2022-08-08/

https://www.chinadaily.com.cn/a/202208/16/WS62faf729a310fd2b29e726a2.html

https://www.globaltimes.cn/page/202208/1272498.shtml

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

حكومات توظف الابتكار لمواجهة القيادة المستهترة

سعياً لاحتواء ظاهرة القيادة المستهترة التي تعتلي لائحة مسبِّبات حوادث الطرق في العالم، لجأت حكوماتٌ عدّة في كلٍّ من أوروبا وأمريكا إلى الكاميرات الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعيّ، لترصدَ المخالفات وتتكاملَ مع أُطُر ولوائحَ قانونيةٍ صارمةٍ لا تتهاون مع أيّ سائقٍ يعطي لعوامل التشتيت الأولوية على حساب سلامته وسلامة الآخرين.

 · · 4 ديسمبر 2023

سيؤول تطلق أولى منصات الخدمات العامة عبر الواقع الموازي "ميتافيرس"

لتكون في طليعة توجُّهٍ متنامٍ، نقلت حكومة سيؤول، الحاضرة الكورية، خدماتها إلى بُعدٍ آخر بالمعنى الحرفيّ للكلمة، فأطلقت المنصة الأولى من نوعها في العالم التي تقدّم الخدمات افتراضياً، والتي ستتّسع شيئاً فشيئاً لتواكب أحدث التطوّرات وتزيح عن مواطنيها أعباء الأعمال التقليدية.

 · · 4 ديسمبر 2023

كيف يُستخدم الواقع المعزّز لتقديم تجارب أفضل في عدة مدن من العالم

بعدما ابتكرت مخيّلة العلماء والمطورون الواقع المعزّز، بدأت مدن عديدةٌ باستخدام تطبيقاته لتعزيز السياحة وحماية إرثها الثقافيّ وحتى تخطيطِ مستقبلها. ففي دبلن وليتشفيلد وستيرلينغ، برمجت المجالس المحلية تطبيقاتٍ ذكيةً تستخدم الواقع المعزّز كدليلٍ سياحيٍّ للزوار، وفي زيورخ السويسرية صمّمت المدينة نظاراتٍ ذكيةً يمكن ارتداؤها أمام أرضٍ خاليةٍ لترسم صورةً ثلاثية الأبعاد للأبنية التي قد تقوم عليها مستقبلاً.

 · · 4 ديسمبر 2023

كيف تثري لوحات البيانات قضية السلامة العامة بثقافة المساءلة

بهدف تأسيس حالةٍ من الشفافية والمساءلة، بدأت المدن الأمريكية بإطلاق لوحات بياناتٍ إلكترونيةٍ تجمع كلّ المعلومات المتعلّقة بالجرائم، وبأداء وكالات إنفاذ القانون، وتتيح الحقائق لمواطنيها لاطلاعهم على سير العمل وجعلهم جزءاً من عملية صنع القرار.

 · · 13 نوفمبر 2023

الذكاء الاصطناعيّ والطائرات المسيرة تساعد الحكومات المحلية في صيانة الطرق

لأنّ جودة الطرق عاملٌ رئيسيّ في سلامة مستخدميها، بدأت عدّة دول كالمملكة المتحدّة وليتوانيا باستخدام التقنيات المتطوّرة لجعل عمليات فحص الطرق وصيانتها أكثر سهولة وكفاءة. طائرات مسيرة من دون طيار، وذكاء اصطناعيّ، وأجهزة استشعار، وكاميرات حديثة عالية الدقة، تستطيع تغطية مئات آلاف الكيلومترات والوصول إلى حيث يعجز البشر، هي أبرز هذه التقنيات.

 · · 13 نوفمبر 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right