الشمس الاصطناعية في كوريا تتخطّى حدودَ الاندماجِ النووي

الشمس الاصطناعية في كوريا تتخطّى حدودَ الاندماجِ النووي

1 دقيقة قراءة
أحدثت فكرة محاكاة الشمس ضجة كبيرة في عالم الطاقة. فقد حققت كوريا الجنوبية إنجازاً علمياً بارزاً بنجاحها في تجاوز الأرقام القياسية في مجال الاندماج النووي. هذه التجربة الواعدة، التي تعتمد على مبدأ اندماج النوى الذرية، تفتح الباب أمام مستقبل واعد للطاقة النظيفة، حيث يمكن إنتاج كميات هائلة من الطاقة دون التسبب في أضرار بيئية يحدثها حرق الوقود الأحفوري.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

أحدثت فكرة محاكاة الشمس ضجة كبيرة في عالم الطاقة. فقد حققت كوريا الجنوبية إنجازاً علمياً بارزاً بنجاحها في تجاوز الأرقام القياسية في مجال الاندماج النووي. هذه التجربة الواعدة، التي تعتمد على مبدأ اندماج النوى الذرية، تفتح الباب أمام مستقبل واعد للطاقة النظيفة، حيث يمكن إنتاج كميات هائلة من الطاقة دون التسبب في أضرار بيئية يحدثها حرق الوقود الأحفوري.

لطالما كانت الطاقة الشمسية هدفًا أساسيًا للباحثين، حيث سعوا لفهم أسرارها وتسخيرها لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة. مع تزايد الوعي بأهمية الطاقة النظيفة، زادت الحاجة الملحة إلى تطوير تكنولوجيات الطاقة الشمسية.

يواجه العالم تحديًا كبيرًا يتمثل في توفير الطاقة اللازمة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان، مع مراعاة استدامة البيئة. فبينما لا يمكن الاستغناء عن الطاقة، فإن الاعتماد على الوقود الأحفوري يمثل عبئًا كبيرًا على الكوكب، مما يدفع المجتمع الدولي إلى البحث عن حلول مبتكرة.

اتجهت أبحاث كوريا الجنوبية إلى الشمس، بوصفها مفاعلاً عظيماً للاندماج النوويّ. واجتازت عتبةً جديدةً عندما اتسعت مخيّلة العلماء في مركز أبحاث كوريا الجنوبية المتقدم للمفاعلات النووية فائقة التوصيل، المعروف اختصاراً بـ "كي ستار"، وتساءَلوا، ماذا لو كان بالإمكان تصنيع تلك الطاقة النجمية في مختبر؟ كيف يتغذى العالم بالطاقة الكهربائية المُولَّدة من تفاعلاتٍ شبيهةٍ بالشمس، لكن دون أن احداث أيّ بصمةٍ كربونية؟ بل أكثر، دون انتاج أيّة نفاياتٍ مشعّة؟

مبدئياً، تولِّد الشمس طاقتَها الحرارية والضوئية الهائلة من خلال اندماج ذراتٍ ضوئيةٍ مثل الهيدروجين ضمن ذراتٍ أثقل، فتنتج ما يسمّى بـ "طاقة الاندماج"، وهي الفكرة التي يحاول الباحثون محاكاتَها.

ومن هذا المنطلق، أطلقت كوريا الجنوبية مشروع "الشمس الاصطناعية" التي تحاكي ما يحدث داخل الشمس، في ابتكارٍ ثوريٍّ قائمٍ على فكِّ شفرة الاندماج، حيث تُطَبَّق ضغوط ودرجات حرارة هائلة لصنع الهيليوم من ذرات الهيدروجين المُدمَجة، الأمر الذي يولد كميات هائلة من الطاقة دون إنتاج غازات دفيئة أو نفايات مُشعّة طويلة الأمد.  وهنا يكمن الفرق بين الاندماج والانشطار النوويَّين، فالاندماج لا يعاني عيبَ توليد نوى غير مستقرة ولا يعتمد على تفاعلات متسلسلة، أنظمة التسخين واحتجاز الحرارة خارجية، وفي حال وقع تحوُّلٌ أو تغييرٌ في التكوين العامل للمفاعل، سيتوقّف الأخيرُ تلقائياً خلال ثوان، ومعه عملية إنتاج الطاقة دون أيّة تأثيرات خارجية.

هذه التجربة ليست كأي تجربة أخرى، فالاندماج يتطلب توليد حرارة شديدة جداً لدرجة يصعب تخيلها. في جوهرها، إنها محاولة لتسخير قوة لا حدود لها.

تستخدم التجربةُ جهاز "توكاماك"، الذي يطلق عليه العلماء اسمَ "الطور". وهو جهازٌ يأخذ شكل حلقة، ويحتجز البلازما شديدة السخونة باستخدام المجالات المغناطيسية. وَصِفَةُ "شديدة السخونة" هنا تعني: أكثرَ من 100 مليون درجة مئوية، وهي درجة الحرارة التي استطاع مفاعل توكاماك الوصول إليها، وحافظَ عليها لمدة 48 ثانية، مجتازاً الرقم القياسيّ السابق الذي سجّله في العام 2021، والبالغ 31 ثانية.

تتوازى الأبحاث في مجال الاندماج النووي وفيزياء البلازما في أكثر من 50 بلداً. ومؤخراً، شهد الجنوب الفرنسيّ وبدعم من عدة دول، انطلاق "إيتر" وهو المفاعل النوويّ الحراريّ التجريبيّ الدوليّ الذي يهدف إلى إنتاج طاقة مستمرة تبلغ 500 ميغاواط على نطاق محطة الطاقة.

مع أنّ البحث عن الطاقة النظيفة ماراثون حقيقيّ، ورغم كلّ الوعود التي تحملها ابتكارات الاندماج النوويّ، فهي ليست مشارِكاً سريعاً، لأنّ التبنّي الواسعَ والاستخدام التجاريّ لها قد يستغرقان عقوداً من الزمن، لأنها تحتاج بنيةً تحتيةً معقّدةً وهياكل عملاقةً ومتطلّبات ومعاييرَ وممارسات لا يمكن المساومةُ على دقّتِها، كما أنّها ستواجه تحدّيات فنيةً كثيرة، مثل إنتاج عناصر أساسية كـ"التريتيوم" بكميات كافية، وإيجاد الوسائل المثلى لاحتواء الوقود مرتفع الحرارة والمواد القادرة على احتمال الحرارة دون أن تتآكل أو تتلف.

بالإضافة إلى ذلك أنّ تطبيقات الاندماج النوويّ هذه– كمجال عمل– تقتصر تقريباً على المستويات البحثية المتخصصة. وعليه، قد تنطلقُ مقاربةُ هذا التحدّي من داخله، فانطلاقةٌ قويةٌ لهذا الابتكار قد تجذب المهتمين وأصحابَ المواهب وتولِّد فرصَ العمل في آن معاً.

كما أنّ المستقبلَ الواعدَ لا يعني الرهانَ على هذه التكنولوجيا الناشئة في مجال تغيّر المناخ، فهي لن تحلَّ كلّ التحديات وحدَها، كما أنّها قد تواجه تحدّيات أخرى غير متوقعة، أو تكون مكلفةً جداً في بعض الدول.

 وسيكون على الحكومات التي ستتبنّى هذا التوجّه، أن تواجه تحدّي تحقيق التوازن بين أحلام الغد وواقع اليوم، وتحافظ على ممارسات إدارة النفايات وتقليل الانبعاثات وغيرها.

لكنّ المبشّر هو أنّ الوقود الأساسيّ للاندماج هو نظائر الهيدروجين الموجودة بوفرة في المياه المالحة، ما يجعلها مورداً لا حدود له تقريباً، وكذلك الليثيوم، المتوفر بكثرة في أنحاء عديدة من العالم.

سيكون اجتيازُ كلِّ هذه التحدّيات مرهوناً– في المقام الأول– بالتعاون العالميّ وحشد الموارد وسرعة التطوير.

عموماً، تَعِد فكرة الاندماج النووي بتلبية المتطلّبات المتزايدة للطاقة، مع تحقيق فوائد بيئية فورية، تشمل هواءً أنظف وتأثيراً مناخياً أخفّ وطأة.

اليوم، يتطلّع مطوِّرو توكاماك إلى تفاعل اندماج يستمرّ 5 دقائق بحلول عام 2026، ويهدِفون إلى إرساء أساسات متينة لمفاعلات الاندماج المستقبلية.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

الأمنُ السيبرانيّ في منطقةِ دول مجلس التعاون الخليجي ... لمحةٌ من كلِّ دولة

في عصر الاتصال الرقميّ تتنامى أهمية حماية الفضاء الإلكترونيّ، حقيقةٌ أدركتها دول مجلس التعاون الخليجيّ الساعية لتنويع اقتصاداتها خارج نطاق النفط والغاز، فكانت لكلٍّ منها تجربتُها في هذا السباق العالميّ.

 · · 6 ديسمبر 2024

الخرائط المناخية المصغّرة لمواجهة تأثير الجزيرة الحراريّة الحَضَريّة في سيدني

ضمن استراتيجيّة التكيّف طويلة الأمد، تعمل حكومة مدينة سيدني الأستراليّة بالتعاون مع خبرائها الأكاديميّين، على دراسة تغيُّرات درجات الحرارة عبر مناطقها المختلفة من خلال مسجِّلاتٍ تجمع البيانات، لتحليلِها والبناء عليها في اختيار الوسائل المثلى لمشاريع التبريد المستقبليّة.

 · · 19 نوفمبر 2024

برنامج "التمويه كخدمة" … أمستردام تحمي الخصوصية في الأماكن العامة

في سعيها لحماية الخصوصية الفردية في العصر الرقمي ضمن شوارع أمستردام المزدحمة، ابتُكر تطبيق تكنولوجيٌّ رائد مصمم لإخفاء هوية الأشخاص الذين يظهرون في الصور العامة، تحت اسم برنامج "التمويه كخدمة"، الذي طوّرته المدينة بنفسها طامحةً إلى توظيفه في تطبيقاتٍ واسعةٍ، واضعةً الاعتبارات الأخلاقية فوق أيّ اعتبار.

 · · 22 أكتوبر 2024

الرقمنة نحو مجتمع أفضل: الدروس المستفادة من التجربة المكسيكية

على الرغم من كونها عاصمة لأحد أكبر اقتصادات العالم وتمتعها بتاريخ عريق، تواجه مكسيكو سيتي تحديات صعبة من ضمنها الفقر والاكتظاظ السكاني. وفي ظل البيروقراطية وعدم المساواة الاجتماعية السائدة تبدو التحديات كبيرة والحلول مستعصية. لكن بوادر التغيير، وإن كانت بطيئة، بدأت بالظهور بفضل جهود الوكالة الرقمية للابتكار العام التي تشكل تجربتُها حالةً نموذجية تسلط الضوء على أهمية الدعم السياسي والمالي، وتعاون مختلف الدوائر الحكومية، لتوفير خدمات حكومية رقمية فعالة تساهم في تحسين نوعية حياة سكان المدينة.

 · · 18 سبتمبر 2024

التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.

 · · 18 سبتمبر 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right