تعتمد الوزارات والجهات الحكومية في الهند على عمليات الشراء المنتظمة لتأمين احتياجاتها المختلفة. وتدفع الهند 340 مليار روبية مقابل مشترياتها الحكومية وهو ما يُشكل 15 إلى 20 بالمائة تقريبًا من إجمالي الناتج المحلي السنوي. وعند النظر في عمليات الشراء هذه، وجد بأنها تعاني من مواطن ضعف عديدة ناجمة عن تعقيدات السياسات واختلاف الإجراءات المعمول بها في الجهات المحلية والوطنية المعنيّة بإتمام عمليات الشراء سواء على المستوى المركزي أو على مستوى الدولة. من جهة أخرى، هناك عامل الوقت الذي يُشكل تحديًا نظرًا لاستغراق العمليات والإجراءات وقتًا طويلًا بما يؤثر على المنظومة بالكامل. وهنا، كان لا بد من الوقوف على هذه التحديات ومواجهتها ليتسنّى للحكومة الهندية تنظيم مواردها وتعزيز عمليات الشراء لتصبح أكثر كفاءة وفعالية.
سعيًا منها لمواجهة هذه التحديات، طورت الحكومة الهندية ما يُسمى بـ "السوق الحكومي الإلكتروني" بهدف تسهيل عمليات الشراء الإلكتروني للسلع والخدمات التي تحتاجها كل من الوزارات والإدارات ومشاريع القطاع الحكومي والجهات المستقلة والمنظمات والهيئات المحلية سواءً على مستوى الحكومات المركزية أو على مستوى الدولة وذلك ضمن أعلى معايير الشفافية والفعالية. ويتمثل الهدف الأساسي لهذا المشروع في تعزيز تنافسية القطاعات الحكومية ومساعدتها على التوفير؛ إذ يتوقع أن يسهم السوق الحكومي الإلكتروني في خفض تكاليف التعاملات والإجراءات الإدارية التي تتطلبها عمليات الشراء الحكومية بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20 بالمئة.
أطلقت وزارة التجارة الهندية السوق الحكومي الإلكتروني في عام 2016 بتمويل بلغ 2 مليار روبية. ويغطي هذا السوق نطاقًا واسعًا من السلع والخدمات ذات الاستخدام المشترك مثل أجهزة تكييف الهواء ومعدات التدفئة وأدوات الكتابة والمياه وأجهزة العرض والمكاتب ومعدات الحواسيب والخدمات التي تشمل الأمن والموارد البشرية والتدبير المنزلي. وتعد السيارات وأجهزة الحاسوب والورق من أكثر السلع مبيعًا في هذا السوق.
ولكي يحقق الغاية المرجوة منه، حرصت الوزارة على أن يتمتع السوق بمزايا الأسواق الحرة وتم تصميمه بطريقة مشابهة لموقع "أمازون" بحيث تُصنّف المنتجات تحت 390 فئة رئيسية و1000 فئة فرعية بما يسهم في إنجاز عمليات الشراء الحكومية بسهولة وشفافية وسرعة. كما يوفر السوق أدوات المزايدات الإلكترونية والمزادات العكسية والطلب الكلي لتحصل الحكومات على أفضل قيمة مقابل إنفاقها الحكومي.
وفي الإطار ذاته، يُتيح السوق الحكومي الإلكتروني خمس طرق مختلفة للشراء لتسهيل عمليات الشراء على اختلاف كمياتها وشروطها الفنية. وتتمثل الطريقة الأولى في طلبات تقديم المناقصات بحيث تعلن الحكومة عن المواد التي تحتاجها عبر السوق الإلكتروني وتدعو البائعين لتقديم العروض. وتختص هذه الطريقة بالسلع والخدمات التي تزيد قيمتها عن 2.5 مليون روبية. أما الطريقة الثانية فهي طلبات تقديم المناقصات المحدودة وتختص بالسلع التي تقل قيمتها عن 2.5 مليون روبية ويتم شراءها بشكل منتظم مثل القرطاسية والمياه وغيرها. وبالنسبة لعمليات الشراء ذات القيمة المرتفعة كشراء المصانع والآليات، فأنسب طريقة هي المناقصات التي تتم على مرحلتين وهما التقييم الفني وعرض الأسعار الأقل. والخيار الرابع هو طلبات تقديم المناقصات من موّرد واحد وتستخدم في حال توفر السلع والخدمات في السوق المفتوح بشكل محدود. وأخيرًا، تستخدم طريقة المزادات العكسية الإلكترونية لبيع المنتجات بأقل سعر.
وهكذا، ساهم السوق الحكومي الإلكتروني بتسهيل المهمة على الطرفين؛ إذ تعامل مع مخاوف البائعين المحليين المرتبطة بتأخير الدفعات وعدم وجود مخزون كاف لإجراء الطلبات. كما منح في الوقت نفسه الجهات الحكومية الراغبة بالشراء خيارات متعددة لاختيار حجم الشركات الموردة كالشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. وقد أثمرت هذه الخاصية عن زيادة حصة الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من إجمالي عمليات شراء السلع والخدمات.
يمكن للبائعين الراغبين بعرض منتجاتهم على السوق إتمام إجراءات التسجيل خلال 10 دقائق تقريبًا مع مراعاة ضرورة توفير السلع التي يتم شراؤها خلال 15 يومًا من تاريخ الطلب مما يعزز الفعالية والشفافية. وما إن تتم عملية التوصيل وقبول السلع من قبل المشتري، يستلم البائعون الدفعات المستحقة خلال 10 أيام فقط.
يُتيح السوق الحكومي الإلكتروني إمكانية الدفع الإلكتروني بالكامل بالإضافة إلى كفالة الأداء المتدني للبائعين لتنويع فرص البائعين المسجلين فيه، كما يمنح المشترين عربات تسوق متعددة. وعلى صعيد آخر، يحتوي السوق على آلية تصنيف البائعين والمشترين ويمكنه حفظ سجلات جميع خطوات المعاملات. وفي حال نشوء أي نزاع أو وجود سلع وخدمات غير مدعومة أو لا تتمتع بالتنافسية الكافية، يتيح السوق آليات فعالة لحل هذه النزاعات والتعامل مع مثل هذه الحالات.
منذ إطلاقه، حقق السوق الحكومي الإلكتروني نجاحًا كبيرًا أثمر عن آثار اقتصادية ملموسة. ولعلّ السبب الرئيسي وراء ذلك هو انخفاض متوسط أسعار السلع والخدمات المتوفرة من خلاله بنسبة 15 إلى 20 بالمئة مقارنة بأسواق أخرى. وخلال السنوات الثلاث التي تلت عام 2016، استقبل السوق الحكومي الإلكتروني أكثر من 2.8 مليون طلب ليصل إجمالي قيمة البضائع المباعة إلى 4000 مليار روبية هندية. وقامت الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بتلبية نصف هذه الطلبات. وقد أدت برامج التواصل وحملات التسويق إلى زيادة مشاركة البائعين والمشترين ليصل عدد البائعين المسجلين في المنصة إلى 2.5 مليون بائع مقارنةً بمتجر "فليب كارت" (المتجر الإلكتروني الأكبر في الهند) الذي يضم مليون بائع. ومن المتوقع أن تصل قيمة عمليات الشراء التي تتم عبر السوق إلى 5,000 مليار روبية هندية بين عامي 2019 و2020 مقابل 3,336 مليار روبية هندية في العام السابق.
ونظرًا إلى الطبيعة المتشعبة لعمليات الشراء في الهند من ناحية الاعتبارات الجغرافية وتلك المتعلقة بالسياسات، يحرص السوق على استقطاب البائعين الخاضعين لصلاحيات الحكومة المركزية التي تشكل نسبة 65 بالمئة من إجمالي الإنفاق. وخلال خمس إلى ست سنوات، تعتزم منصة السوق الحكومي الإلكتروني إكمال قرابة 20,000 إلى 30,000 مليار معاملة. ويتوقع أن يحقق السوق ما نسبته 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الهند من ناحية قيمة التعاملات وذلك بشكل سنوي وعلى المدى الطويل. وتتماشى تطلعات المنصة مع بوابات الشراء الإلكتروني الأفضل ضمن فئتها ("GeBiz" في سنغافورة و"KNOPES" في كوريا) اللتان تحققان 4.5 إلى 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولهما بفضل التعاملات الإلكترونية التي تُجرى من خلالها.