الذكاء الاصطناعي للحد من انتشار كوفيد-19... اليونان نموذجاً

الذكاء الاصطناعي للحد من انتشار كوفيد-19... اليونان نموذجاً

1 دقيقة قراءة
فرضت بلدان كثيرة، في المراحل الأولى لجائحة كوفيد–19، قيوداً على التنقّلات غير الاضطرارية، سعياً منها إلى التخفيف من انتشار فيروس كوفيد-19.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

فرضت بلدان كثيرة، في المراحل الأولى لجائحة كوفيد–19، قيوداً على التنقّلات غير الاضطرارية، سعياً منها إلى التخفيف من انتشار فيروس كوفيد-19. ونتيجة لذلك، شُلّت قطاعات السياحة وأصيبت بخسائر مادية فادحة، وفُقدت ملايين الوظائف. وعندما تحسنت الأوضاع بعد حين، عمدت الدول إلى رفع تلك القيود عن السيّاح وتنقّل العمّال وتبادل السلع. ونظراً إلى أن التدابير الوقائية العامة تتطلّب الحد من عدد المسافرين المصابين بالفيروس، لا تزال الطريقة المثلى أمام سلطات الحدود، لتأمين الحماية بشكل فاعل، هي إجراء اختبارات لجميع القادمين، وفرض الحجر الصحي على كل من تثبت إصابته وكل من خالطه. إلا أن هذه الطريقة لم تكن على مستوى التوقّعات بسبب ندرة موارد الاختبار، خلال صيف 2020. ولذلك، تحتّم على المعنيين إعادة النظر في السياسات المقترحة دولياً لمراقبة الحدود، والتي تعتمد فقط على البيانات العامة ولا تراعي المعايير الخاصة بكل بلد.

اليونان لم تكن استثناءً عن هذا الحال، حيث وضعت لائحة بالتحديات التي يتعيّن عليها مواجهتها تخفيفاً لانتشار عدوى كوفيد-19، والتي لا تختلف كثيراً عن غالبية البلدان الأخرى، ومنها ما يلي:

  1. عجز البنية التحتية لعملية الاختبار عند الحدود للتحقق من حالة كل مسافر بشكل واقعي.
  2. التكاليف الباهظة لتلك العمليات الشاملة والفترات الزمنية الطويلة لتنفيذها، ما يدفع معظم الدول إلى الاكتفاء بفحص المسافرين القادمين من بلدان معيّنة أو تنفيذ اختبارات عشوائية لتحديد المصابين بكوفيد-19.
  3. المصداقية المتدنية التي تتسم بها البيانات العامة للنتائج المعلَنة، وسببها الرئيسي اختلاف آلية  الإبلاغ والإعلان عن الحالات وبروتوكولات الاختبار بين البلدان.
  4. التركيز فقط على فحص المصابين الذين يعانون من أعراض ظاهرة، لا يعطي  نتائج دقيقة حول المعدل الواقعي لانتشار الفيروس بين السكان والمسافرين المصابين، حيث أن الكثير من الحالات لا تظهر فيها أية أعراض، فضلاً عن التأخّر في الإبلاغ بسبب ضعف البنية التحتية وآليات التواصل بين أركانها.
  5. التناقض في المعلومات الذي ينشأ عن أشكال من الرقابة تفرضها بعض الدول على نتائج الاختبارات، وعن الاختلاف في معايير تحديد كوفيد-19 كسبب للوفاة، وما يستجرّه من أخطاء في إحصاء الوفيات.

لذلك، برز خيار استخدام طريقة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتخفيف من انتشار كوفيد-19 بكشف مزيد من الإصابات عبر جمع نتائج الاختبارات وتحليلها سريعاً، فتضافرت في هذا الاتجاه جهود أكاديميين من جامعات أميركية ويونانية، منها جامعة بنسلفانيا وجامعة كاليفورنيا الجنوبية وجامعة ثيسالي وجامعة أثينا. وبالتعاون مع الحكومة اليونانية ودعمها نتج عنها نظامٌ حقق نتائج مشجّعة، يحمل اسم "إيفا"، نُشرت تفاصيله في تقرير تحت عنوان "تطبيق نظام الذكاء الاصطناعي لاختبار كوفيد-19 عند الحدود اليونانية".

ولكن كيف يعمل نظام "إيفا"؟ كخطوة أولى، يجب على جميع القادمين إلى اليونان أن يصرحوا عن معلوماتهم الديموغرافية قبل دخول البلد ب24 ساعة من خلال "استمارة تحديد موقع المسافر". من بعدها يقوم "إيفا" بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي لرصد البيانات بالزمن الحقيقي. حيث يتلقى باستمرار نتائج الاختبارات التي تتجمّع في المراكز الحدودية باليونان، بهدف التقاط حالات الإصابة بكوفيد-19 بين المسافرين الوافدين من أنحاء العالم. تستخدم هذه البيانات في دراسة احتمال إصابة المسافرين القادمين إلى اليونان من خلال مطابقتها مع معلوماتهم الديموغرافية. وبالنتيجة تحدد خوارزميات نظام "إيفا" مجموعات من المسافرين يحتمل أن تكون إصابتهم بكوفيد-19 كبيرة مقارنة بغيرهم، وتبعاً يطلب منهم أن يجروا فحوصات PCR مخبرية للكشف عن العدوى. وبهذا الأسلوب يساعد النظام على الحد من انتقال الإصابات إلى الداخل واحتواء تفشّي الوباء في البلاد.

وتحقق خوارزمية "إيفا" توازناً بين الحفاظ على تقديرات عالية الجودة لانتشار كوفيد-19 بين الدول وبين استخلاص النتائج التي تساعد على توقيف المسافرين الذين يُشتبه إصابتهم. وتُعَدّ هذه التكنولوجيا أول نموذج يستخدم تلك الخوارزمية لمواجهة تحديات القطاع الصحي، بعد استخدامها سابقاً كوسيلة لتقييم جدوى الإعلانات ورواجها في المواقع الإلكترونية.

بيد أن خوارزمية "إيفا" لا تحل المشكلات التي تفرضها التدابير الميدانية في الواقع وخصوصيات التعامل المختلفة بين البلدان، أو حتى بين وجهتين في بلد واحد. فهذه تمليها قوانين السفر والتنقّل المطبّقة وشدّة التدابير الوقائية وتغيّراتها. وقد ينطوي تكييف "إيفا" لتلبية حاجات بلدان أخرى على ضرورة تصميم استمارة لجمع بيانات عن المسافرين تتلاءم مع السياسات المختلفة للهجرة والسفر، وربطها بشكل وثيق بالموارد المساعدة لعملية رصد الوباء، مثل مختبرات الفحوص الطبية.

بمعنى أنه يتعيّن جمع بيانات خاصة ومميزة عن تلك العامة، كالتي تجمعها استمارات تحديد مواقع المسافرين المستخدمة في التطبيق اليوناني، وتخصيصها لتتلاءم مع أوضاع ذلك البلد وخصوصياتها، من أجل اتخاذ القرارات المناسبة. ومن هذه البيانات، على سبيل المثال، المهنة، حيث تُعدّ معياراً صائباً يفترض رصده، لأن ثمة مهناً تنطوي على مخاطر العدوى أكثر من غيرها. وكل ذلك بالتماشي مع إملاءات القانون الأوروبي لحماية البيانات العامة الذي يحصر نطاق البيانات التي يسمح استخدامها في "إيفا".

لكن بالرغم من ذلك، شكلت تجربة اليونان مع نظام "إيفا" خطوة ناجحة أتاحت الفرصة أمام المعنيين لتوسيع وتفعيل البنية التحتية المستخدمة في عملية اختبار المسافرين ضد عدوى كوفيد-19 بشكل يتماشى مع الانتشار السريع للمرض. كما تمكّن النظام من تحليل البيانات التي تتجمّع في النقاط الحدودية للكشف عن ازدياد الانتشار في بلد ما، قبل 9 أيام من ظهور ذلك المؤشر في قوائم البيانات العامة، ووضع بعض الدول الأكثر خطورة للإصابة بفيروس كورونا على لائحة خاصة لمتابعتها عن قرب. ولعل أحد أهم إنجازات "إيفا" هو القدرة على تحديد المسافرين المصابين من دون أعراض بشكل أكثر دقة عما يحدده الاختبار العشوائي التقليدي بنسبةـ 1.85 مرة، بينما تتراوح في مواسم الذروة بين ضعفين و4 أضعاف.

المراجع

https://hamsabastani.github.io/greekcovid.pdf

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

برنامج "التمويه كخدمة" … أمستردام تحمي الخصوصية في الأماكن العامة

في سعيها لحماية الخصوصية الفردية في العصر الرقمي ضمن شوارع أمستردام المزدحمة، ابتُكر تطبيق تكنولوجيٌّ رائد مصمم لإخفاء هوية الأشخاص الذين يظهرون في الصور العامة، تحت اسم برنامج "التمويه كخدمة"، الذي طوّرته المدينة بنفسها طامحةً إلى توظيفه في تطبيقاتٍ واسعةٍ، واضعةً الاعتبارات الأخلاقية فوق أيّ اعتبار.

 · · 22 أكتوبر 2024

الشمس الاصطناعية في كوريا تتخطّى حدودَ الاندماجِ النووي

أحدثت فكرة محاكاة الشمس ضجة كبيرة في عالم الطاقة. فقد حققت كوريا الجنوبية إنجازاً علمياً بارزاً بنجاحها في تجاوز الأرقام القياسية في مجال الاندماج النووي. هذه التجربة الواعدة، التي تعتمد على مبدأ اندماج النوى الذرية، تفتح الباب أمام مستقبل واعد للطاقة النظيفة، حيث يمكن إنتاج كميات هائلة من الطاقة دون التسبب في أضرار بيئية يحدثها حرق الوقود الأحفوري.

 · · 22 أكتوبر 2024

الرقمنة نحو مجتمع أفضل: الدروس المستفادة من التجربة المكسيكية

على الرغم من كونها عاصمة لأحد أكبر اقتصادات العالم وتمتعها بتاريخ عريق، تواجه مكسيكو سيتي تحديات صعبة من ضمنها الفقر والاكتظاظ السكاني. وفي ظل البيروقراطية وعدم المساواة الاجتماعية السائدة تبدو التحديات كبيرة والحلول مستعصية. لكن بوادر التغيير، وإن كانت بطيئة، بدأت بالظهور بفضل جهود الوكالة الرقمية للابتكار العام التي تشكل تجربتُها حالةً نموذجية تسلط الضوء على أهمية الدعم السياسي والمالي، وتعاون مختلف الدوائر الحكومية، لتوفير خدمات حكومية رقمية فعالة تساهم في تحسين نوعية حياة سكان المدينة.

 · · 18 سبتمبر 2024

التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.

 · · 18 سبتمبر 2024

استخدام مبتكر للبيانات لدعم صنّاع القرار في قطاع الصحة الكندي

شكلت جائحة كوفيد-19 تحديا عالميا غير مسبوق، وكشفت عن نقاط ضعف في صنع السياسات وأنظمة الرعاية الصحية أدت إلى أوجه قصور في إدارة الأزمات. غير أن بعض البلدان لجأت إلى نهج مبتكرة ساعدت على التخفيف من أثر الأزمة وأثبتت جدارتها في أن تصبح جزءا من آليات دعم التأهب لحالات الطوارئ الصحية في المستقبل. كانت كندا واحدة من هذه البلدان ، حيث تبنت البيانات الضخمة لتتبع حركة السكان لإبلاغ عملية صنع القرار في مواجهة COVID-19.

 · · 22 أغسطس 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right