يتعاون مئات المنقذين من أجل ضمان السلامة على شواطئ اليابان، كونها تواجه خطراً جسيماً يتمثّل بالتيارات الساحبة التي يصعب رصدُها بالعين المجرّدة. لهذا، تم تطوير نظام يعمل بالذكاء الاصطناعيّ ويرتبط بكاميراتٍ منتشرة على امتداد شواطئها، ترصد المعطيات المكانية والحركة البشرية، لمنع وقوع الحوادث وتسريع الاستجابة وإنقاذ الأرواح.
يشيع بين الناس مصطلح “الموجة الساحبة” كتسميةٍ لظاهرةٍ تحدث في المحيطات، لكنّ الحقيقة أنّها ليست موجة، بل هي تيارٌ ضيقٌ يرافق الأمواج، فيحمل ما يعترض طريقه بعيداً عن الشاطئ عائداً به إلى البحر بسرعةٍ تتجاوز السبّاحين الأولمبيين. ظاهرةٌ يبذل العلماء جهوداً كبيرةً لفهمها ومعرفة المزيد عنها.
ما توصّل إليه العلم حتى الآن هو أنّ هذا التيار، الذي غالباً ما تصعب رؤيته، لا يحتاج بالضرورة إلى موجاتٍ كبيرةٍ أو إلى طقسٍ سيء. كما أنّه يشكّل خطراً كبيراً، بل ومميتاً، على مرتادي الشواطئ، حيث يحمل السبّاحين بعيداً عن الشاطئ بسرعةٍ تتعذّر معها مقاومتُه.
تشير جمعية إنقاذ الأرواح في اليابان إلى أنّ المنقذين ينجحون كلّ موسمٍ في إنعاش ما يتراوح بين 2000 إلى 3000 شخصٍ فاقدٍ للوعي أثناء السباحة، نتيجة الحوادث أو الظواهر الطبيعية أو التعب أو عدم القدرة على مواصلة السباحة أو الرياح القوية أو غيرها.
واقع الأمر أنّ 45% من هذه الحالات هم سبّاحون حملتهم التيارات الساحبة بعيداً، ويعتمد إنقاذُهم إلى حدٍّ كبيرٍ على عامل الوقت، لا سيما في حالة السكتة القلبية الرئوية، التي يستحيل إنقاذ المصاب بها بعد مرور 3 إلى 4 دقائق من وقوعها.
قد يكون التحكّم في العوامل الطبيعية أو تجريدُها من خصائصها أو مخاطرها أمراً خارجاً عن الإرادة البشرية، لكنّ ما تستطيع السلطات فعلَه هو تجنُّبها أو احتواءُ آثارها. هذا بالضبط ما تسعى إليه السلطات اليابانية، فهي تحاول الاستفادة من أكثر ما تَبْرع به لإنقاذ أغلى ما لديها. بعبارةٍ أبسط، تحاول توظيف التكنولوجيا لتعزيز سلامة مواطنيها من السبّاحين ومرتادي الشواطئ وحمايتهم من التيارات الساحبة.
هكذا، بدأت مدينة كاناغاوا جنوب العاصمة طوكيو، تجربة استخدام الذكاء الاصطناعيّ لرصد التيارات الساحبة وإنذار السبّاحين والمنقذين على حدٍّ سواء، وذلك على شاطئٍ شعبيٍ مزدحمٍ براكبي الأمواج أُعيد افتتاحُه بعد عامين من الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19.
يستخدم النظام الذكاء الاصطناعيّ وإنترنت الأشياء، وهو يتألف من شقٍّ برمجيٍّ يتكامل مع معداتٍ جرى تركيبُها في الموقع، وهي عبارةٌ عن كاميرا متصلةٍ بشبكة الإنترنت ومثبّتةٍ على أعمدة ضمن المساحة المخصصة للسباحة، إلى جانب ساعاتٍ ذكيةٍ يرتديها المنقِذون. وقد تم اختيار كاميراتٍ ذات نطاقٍ عريض، بمجرد أن ترصد وجود تيارٍ ساحبٍ أو أيّ شخصٍ يسبح أو يمارس ركوب الأمواج على مقربةٍ منه، ترسل إخطاراً عبر شبكة الإنترنت يتلقّاه المنقذ على اليابسة ليتدخّل لسحبِ الشخص المعرّض للخطر صوب الشاطئ.
ولتمكين النظام من التعرّف على الظاهرة ورصد المخاطر، عكفت فِرَق المطوِّرين في جمعية الإنقاذ وجامعة العاصمة على جمع البيانات الكثيفة خلال شتاء العام 2021. ومن خلال هذه البيانات، تمّ إنشاء نموذجٍ للتعلّم العميق وإنشاء الخوارزميات التي سيعتمد عليها النظام في تحديد المخاطر.
وقد أكّدت الصور المُلتقطة وجود تياراتٍ ساحبة، بما فيها تلك المتقطِّعة والمتداخلة، حيث ظهرت كخطٍّ رماديٍّ يعبر نطاق الموجة التي تظهر عادةً باللون الأبيض. وللتحقّق من النتائج أكثر، لجأ المطوّرون إلى استخدام نموذج اكتشاف التكرار، حيث ينتظرون رصدَ تيارٍ ساحبٍ ليبدأ التقاطُ الصور بمعدل صورتين أو 3 صورٍ كلّ ثانية. تُجمع هذه الصور كلّ 20 دقيقة، ثم يتم تحليلُها بعد حساب سرعة الموجة واتجاهها وارتفاعها وغيرها من المعطيات الأساسية.
لكنّ اليابان ليست وحيدةً في هذا المسعى، بل مشاركةً في سباقٍ يضمّ دولاً عديدةً تواجه الخطر نفسه، كالولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل حكومتُها على إطلاق نموذجٍ ذكيٍّ يستطيع التنبؤ بالتيارات الساحبة قبل 6 أيامٍ من وقوعها.
قد يكون تحقيق الثقة المطلقة بأنظمة الذكاء الاصطناعيّ تحدياً كبيراً، ولعلّه من غير الممكن الاعتماد عليها بشكلٍ كامل، ولا بدّ من اللجوء إلى وسائل إضافيةٍ مثل نشر الوعي بإجراءات السلامة وارتداء سُتَر النجاة. ومن الجدير بالذكر أنّ هذه السُتَر رغم أنّها تضمن الطفو وتحقّق فعاليةً كبيرةً في الحماية من الغرق، فهي قد تولِّد إحساساً زائفاً بالأمان، وتشوِّش إدراك السبّاحين للأخطار التي سيتعيّن عليهم– في حالاتٍ كثيرة– التصدّي لها بأنفسهم.
رغم ما يحيط بهذه الحلول التكنولوجية من شكوك، فقد أثبت النظام الذكيّ المُطوّر في اليابان فعاليةً كبيرةً في الوقاية من الحوادث المرتبطة بالتيارات الساحبة، حيث استطاع النظام الكشف عن هذه التيارات بدقةٍ بلغت 91.1%، فيما كانت قدرته على رصد الوجود البشريّ ضمن نطاق التيار دقيقةً بنسبة 96.5%، ما يعني اختصار نصف الوقت اللازم للإنقاذ، وجعلَ تجربة الشاطئ أكثر سلاسةً، فهي تجربةٌ صحية وتعليميةٌ وكفيلةٌ بتحسين نوعية الحياة إذا ما تمّ تبنّيها كنشاطٍ منتظمٍ يجري ضمن بيئةٍ آمنة.
المراجع:
- https://www.theguardian.com/world/2022/jul/05/japan-deploys-artificial-intelligence-to-detect-rip-currents-as-beach-season-hots-up
- https://yab.yomiuri.co.jp/adv/chuo/dy/research/20190808.php
- https://mainichi.jp/english/articles/20220702/p2a/00m/0na/028000c
- https://education.nationalgeographic.org/resource/rip-current
- https://oceanservice.noaa.gov/news/apr21/rip-current-forecast.html