الذكاء الاصطناعيّ داعماً لتربية المائيات في سنغافورة

الذكاء الاصطناعيّ داعماً لتربية المائيات في سنغافورة

1 دقيقة قراءة
أطلقت الحكومة عبر وكالة الأغذية السنغافورية مبادرة "30*30"، حيث وضعت نصب عينيها هدفَ إنتاج 30% من احتياجاتها الغذائية محلياً بحلول العام 2030. لبلوغ هذا الهدف، وضعت الوكالة خطةً موزَّعة على 3 محاور رئيسية أسمتها "السلال الغذائية"، وهي تنويع مصادر الاستيراد، وتنمية الإنتاج المحليّ، واجتياز الحدود، بمعنى زيادة قدرة الشركات المحلية على المنافسة في السوق العالمية، كلُّ هذا في ظلّ ندرة الأراضي الزراعية.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

فيما تلوح أزمة الأمن الغذائيّ في الأفق، تحاول سنغافورة تقليل اعتمادها على الواردات، فتطوّر حلولاً ذكيةً لدعم الزراعة وتربية الأحياء المائية وأتمتة عملياتها لإيجاد ظروف نموٍّ مثاليةٍ وصحيةٍ للأسماك، وتحقيق إنتاج يسدّ الحاجة المحلية ويفيض عنها ليُصدّر إلى العالم.

حسب تعريفه، يتحقّق الأمن الغذائي حين يحظى كلّ إنسان بإمكانية الوصول الماديّ والاقتصاديّ في جميع الأوقات لشراء الأغذية الكافية والمأمونة والصحية أو إنتاجها أو الحصول عليها لتلبية احتياجاته وكفاية أسرته، وهي قضية تعتلي سلالم الأولويات لدى الحكومات والمنظمات والكيانات التابعة للأمم المتحدة.

لا تستثني هذه المشكلة أيّ بلد وإن بدا للعالم في حالة رخاء. فالأمن الغذائيّ يعتمد على معطياتٍ جغرافيةٍ وطبيعيةٍ بالدرجة الأولى، وهي أكثر أهمية من تلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية. تأتي سنغافورة كمثالٍ حيٍّ على هذه الحالة، فهذه الدولة الجُزُرية صغيرة المساحة تفتقر إلى الموارد الطبيعية إلى درجة أنّها تستورد أكثر من 90% من استهلاكها الغذائيّ من 170 بلداً، فهي مثلاً تستورد 34% من احتياجها للدواجن من الجارة ماليزيا التي قرّرت مؤخراً حظر تصدير الدجاج.

تاريخياً، انصب اهتمام الحكومة السنغافورية على زيادة الناتج المحليّ الإجماليّ ورفع متوسط دخل الأسرة والاكتفاء بالاستيراد مع إهمال قطاع الزراعة. وقد نالت سنغافورة حصتها العادلة من التحديات الدولية كتغير المناخ وارتفاع معدلات التضخم وتعطل سلاسل التوريد الغذائيّ وجائحة كوفيد-19. كلُّ هذا سبّب ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع الغذائية، وهو ما أفلحت الحكومة نسبياً في مواجهته حتى الآن، لكنّها لن تصمد طويلاً ولا بدّ لها من الاستعداد للمستقبل.

لهذا، أطلقت الحكومة عبر وكالة الأغذية السنغافورية مبادرة "30*30"، حيث وضعت نصب عينيها هدفَ إنتاج 30% من احتياجاتها الغذائية محلياً بحلول العام 2030.

لبلوغ هذا الهدف، وضعت الوكالة خطةً موزَّعة على 3 محاور رئيسية أسمتها "السلال الغذائية"، وهي تنويع مصادر الاستيراد، وتنمية الإنتاج المحليّ، واجتياز الحدود، بمعنى زيادة قدرة الشركات المحلية على المنافسة في السوق العالمية، كلُّ هذا في ظلّ ندرة الأراضي الزراعية.

وكما هو متوقّع، فقد اختارت سنغافورة التحايل على هذا الواقع باستخدام التكنولوجيا، لتطلق الوكالة بالتعاون مع نظيرتها المختصة بالتكنولوجيا الحكومية مشروعاً لأتمتة العمل الزراعيّ بمختلف أشكاله، خاصةً الاستزراع المائيّ أو تربية المائيات، والذي أنشأت له مركزاً متخصِّصاً يرتبط بشبكةٍ من المؤسسات البحثية والشركات الزراعية، ويعمل على تطوير قطاع الاستزراع المائيّ.

يشير هذا المصطلح إلى تنمية الأحياء المائية في مزارع خاصة بدل صيدها من بيئتها الطبيعية. ويشيع في سنغافورة نوعان من هذه المزارع، البحرية كمزارع الأقفاص الشَّبَكية الساحلية والمزارع العائمة المغلقة الواقعة في مضيق "جوهور"، والبرية التي تشمل الأحواض المفتوحة والخزانات والأنظمة الداخلية متعددة الطبقات.

في الأنواع البحرية، تستخدم مزارع الأقفاص الشبكية آلية التغذية التلقائية وتقنية إنترنت الأشياء وأنظمة إعادة تدوير المائيات، وتُضاف إليها في المزارع البرية أنظمة مراقبة المياه.

مؤخراً، استطاع مركز الاستزراع المائيّ دراسة علامات الحمض النووي الخاصة بالأسماك، وتوصّل علماؤه إلى تحديد 3 سلالاتٍ متفوِّقةٍ وراثياً بشكلٍ طبيعيٍّ ومن دون إجراء أيّ تدخُّلٍ أو تعديلٍ في خرائطها الجينية، فاتّسم أحد الأنواع بسرعة نموٍّ كبيرة، والثاني بقدرةٍ عاليةٍ على مقاومة الأمراض، أما الثالث فكشف عن نسبةٍ مرتفعةٍ من أوميجا 3.

كما تمكّن الباحثون في المركز من إنتاج أغذيةٍ عالية الجودة للأسماك عبر نظام إنتاجٍ مكثَّفٍ للدوّارات، وهي عوالق حيوانية صغيرة تُجلب من البحر لتُستخدم كغذاء لأسماك المزارع التي تحتاج نظاماً غذائياً متكاملاً من سنٍّ مبكرة، كما هي الحال بالنسبة لطفلٍ في طور النمو، ولا بدّ من المراقبة الدائمة لتعدادات الدوّارات فزيادتُها مضرة كنقصِها، وهي معرّضة للفطريات والبكتريا التي تقتل الدوّارات وتؤثّر على يرقات الأسماك أيضاً، كما أنّ عمليات عدّ الدوّارات من العينات كانت شاقةً للغاية. ولمقاربة هذه التحديات، طوّر المركز حلاً يعتمد على تقنية التعرُّف على الصور باستخدام الذكاء الاصطناعيّ.

بدأ الباحثون بدراسة مراحل هذه العمليات، واختيار المرحلة الأنسب للأتمتة. وعلى مدار 6 أشهر، بنوا نموذج الذكاء الاصطناعيّ بصور بالغة الدقة لـ 100 عينة، ثم جرّبوا فاعليته بأخرى منخفضة الدقة كتلك التي ستَرِدُه من المزارعين بعد أن يلتقطوها بكاميرات هواتفهم متفاوتة الجودة. وقد تمكّن النظام من الكشف عن الدوّارات بمعدّل دقةٍ بلغ 90%، واختصار وقت العمليات من 40 دقيقةً إلى دقيقةٍ واحدة. وسيُتاح هذا النموذج عبر الخوادم المحلية للمزارعين المهتمين بتطوير أدواتهم، على أن يتم تحميل الإصدار الرئيسيّ باستخدام الحوسبة السحابية لتحقيق فاعلية أكبر من حيث التكلفة وتزويد المستخدمين بالتحديثات فور توفرها.

قد لا تكفي هذه الخطط لإلغاء الاعتماد على الواردات بشكل نهائي، لكنّ التقنيات الحديثة ستساعد في تحقيق أقصى درجة من الإنتاجية في أصغر مساحة ممكنة، وبشكل يحقق الكفاءة والسلامة والاستدامة، ويحمي الأسماك من تأثيرات تغيُّر المناخ والتلوث والأمراض، وهذا جزء من الحلّ الهادف إلى تهيئة سنغافورة لمواجهة أزماتها المستقبلية.

المراجع:

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
اشترك في النشرة الإخبارية لمنصة ابتكر
القائمة البريدية للمبتكرين
تصل نشرتنا الإخبارية إلى أكثر من 30 ألف مبتكر من جميع أنحاء العالم!
اطلع على النشرة الإخبارية لدينا لتكون أول من يكتشف الابتكارات الجديدة و المثيرة و الأفكار الملهمة من حول العالم التي تجعلك جزءاً من المستقبل.
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

برنامج "التمويه كخدمة" … أمستردام تحمي الخصوصية في الأماكن العامة

في سعيها لحماية الخصوصية الفردية في العصر الرقمي ضمن شوارع أمستردام المزدحمة، ابتُكر تطبيق تكنولوجيٌّ رائد مصمم لإخفاء هوية الأشخاص الذين يظهرون في الصور العامة، تحت اسم برنامج "التمويه كخدمة"، الذي طوّرته المدينة بنفسها طامحةً إلى توظيفه في تطبيقاتٍ واسعةٍ، واضعةً الاعتبارات الأخلاقية فوق أيّ اعتبار.

 · · 22 أكتوبر 2024

الشمس الاصطناعية في كوريا تتخطّى حدودَ الاندماجِ النووي

أحدثت فكرة محاكاة الشمس ضجة كبيرة في عالم الطاقة. فقد حققت كوريا الجنوبية إنجازاً علمياً بارزاً بنجاحها في تجاوز الأرقام القياسية في مجال الاندماج النووي. هذه التجربة الواعدة، التي تعتمد على مبدأ اندماج النوى الذرية، تفتح الباب أمام مستقبل واعد للطاقة النظيفة، حيث يمكن إنتاج كميات هائلة من الطاقة دون التسبب في أضرار بيئية يحدثها حرق الوقود الأحفوري.

 · · 22 أكتوبر 2024

الرقمنة نحو مجتمع أفضل: الدروس المستفادة من التجربة المكسيكية

على الرغم من كونها عاصمة لأحد أكبر اقتصادات العالم وتمتعها بتاريخ عريق، تواجه مكسيكو سيتي تحديات صعبة من ضمنها الفقر والاكتظاظ السكاني. وفي ظل البيروقراطية وعدم المساواة الاجتماعية السائدة تبدو التحديات كبيرة والحلول مستعصية. لكن بوادر التغيير، وإن كانت بطيئة، بدأت بالظهور بفضل جهود الوكالة الرقمية للابتكار العام التي تشكل تجربتُها حالةً نموذجية تسلط الضوء على أهمية الدعم السياسي والمالي، وتعاون مختلف الدوائر الحكومية، لتوفير خدمات حكومية رقمية فعالة تساهم في تحسين نوعية حياة سكان المدينة.

 · · 18 سبتمبر 2024

التكنولوجيا الخضراء: مبادرة سنغافورة للارتقاء بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو الاستدامة

يعدّ أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تغير المناخ ضئيلاً نسبياً حين مقارته بمصادر الانبعاثات الكربونية الرئيسية كالمواصلات والأنشطة الصناعية والبشرية الأخرى التي تستخدم الوقود الأحفوري بكثافة. لكن مع نمو الطلب على هذا القطاع وبنيته التحتية، من المتوقع أن ترتفع كثيراً مساهمته التي تقدر اليوم بين %1.8 و%4 من مجمل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالمياً، لتبلغ نحو %14 بحلول العام 2040، ما يجعله مصدر قلق متنامٍ لكافة الدول الساعية للحد من آثار تغير المناخ. في مواجهة هذا التحدي، أطلقت سنغافورة التي تتميز باستخدامها المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مبادرة شاملة وطموحة تستهدف خفض معدل الانبعاثات الناتجة حالياً عن هذه التكنولوجيا بمعدل %50 بحلول العام 2030، تماشياً مع الأهداف العالمية في هذا المجال.

 · · 18 سبتمبر 2024

استخدام مبتكر للبيانات لدعم صنّاع القرار في قطاع الصحة الكندي

شكلت جائحة كوفيد-19 تحديا عالميا غير مسبوق، وكشفت عن نقاط ضعف في صنع السياسات وأنظمة الرعاية الصحية أدت إلى أوجه قصور في إدارة الأزمات. غير أن بعض البلدان لجأت إلى نهج مبتكرة ساعدت على التخفيف من أثر الأزمة وأثبتت جدارتها في أن تصبح جزءا من آليات دعم التأهب لحالات الطوارئ الصحية في المستقبل. كانت كندا واحدة من هذه البلدان ، حيث تبنت البيانات الضخمة لتتبع حركة السكان لإبلاغ عملية صنع القرار في مواجهة COVID-19.

 · · 22 أغسطس 2024
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right