أثبت فيروس كورونا أنه أسرع الفيروسات انتشارًا في العصر الحديث. ففي غضون فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثلاثة أشهر أصاب الفيروس 410600 شخصًا عبر 166 دولة حول العالم. ولعلّ السبب الرئيسي الذي يزيد من صعوبة احتواء الفيروس هو تأثيره الذي يختلف من شخص لآخر؛ فقد يشعر أحدهم بأعراض شديدة بينما لا تظهر الأعراض على شخص آخر حتى مراحل متطورة. ولذلك، فإن فهم مسار الفيروس وطريقة انتشاره، بالإضافة إلى تطوير رؤى تنبؤية يساعدان في تحديد الطرق المثلى للاحتواء وتعزيز الاستعدادات والقدرة على إدارة الفيروس ووقف انتشاره.
اختلفت دول العالم في طريقة تعاملها مع هذا الوباء، وكانت تقنيات الذكاء الاصطناعي في مقدمة الحلول المستخدمة لكبح جماح فيروس كورونا والتقليل من انتشاره. وتتربع الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية وتايوان على قائمة الدول التي وظّفت تقنيات الذكاء الاصطناعي لعدة غايات منها، تسريع عملية تطوير أجهزة الفحص والعلاجات، وتتبّع مسار انتشار الفيروس، وتزويد أفراد المجتمع بمعلومات فورية صحيحة. واليوم، تلجأ العديد من حكومات العالم إلى الذكاء الاصطناعي لتسهيل عمليات المراقبة وجمع المعلومات والتحليل التنبؤي.
لنأخذ كوريا الجنوبية على سبيل المثال؛ فقد استعانت الحكومة بقدرات القطاع الخاص للبدء بتطوير أجهزة فحص فيروس كورونا بعد ظهور أنباء انتشاره في الصين. ومن أبرز الشركات التي أكدت على التزامها بأن تكون جزءًا من هذا المجهود الوطني شركة Seegene للتكنولوجيا الحيوية الجزيئية؛ حيث قامت بتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتسريع تطوير أجهزة الفحص، وقدمت الحل لمركز مكافحة الأمراض في كوريا بعد ثلاثة أسابيع فقط. ولم يكن ليتحقق هذا الإنجاز لولا تقنيات الذكاء الاصطناعي التي ساهمت في تسريع مدة الإجراءات من شهرين أو ثلاثة إلى ثلاثة أسابيع فقط.
ومن جهتها، استعانت الصين أيضًا بالذكاء الاصطناعي لتسريع العمليات العلمية؛ حيث نجح علماؤها بإعادة بناء تسلسل الجينوم لكوفيد-19 خلال شهر واحد فقط. وإذا ما رجعنا بالتاريخ، نجد بأن إعادة بناء تسلسل الجينوم لفيروس سارس الذي اجتاح العالم في عام 2003 استغرق عدة أشهر حيث اعتمد على الطرق التقليدية، وهنا تكمن أهمية الذكاء الاصطناعي.
على صعيد آخر، استخدمت الصين أنظمة مراقبتها المتطورة لتحديد هوية الأفراد الذين يشتبه بإصابتهم بالفيروس باستخدام تقنيات التعرف على الوجه وبرمجيات الكشف عن الحرارة. كما استخدم المسؤولون في مقاطعة سيتشوان تقنية "الخوذة الذكية" لتحديد الأشخاص المصابين بالحمى. وطوّرت الحكومة الصينية نظام مراقبة أطلق عليه أسم "Health Code" بحيث يعتمد على البيانات الضخمة لتحديد المخاطر وتقييم حالة كل فرد بالاعتماد على تاريخ سفره والفترة الزمنية التي قضاها في مواقع ينتشر فيها الفيروس وإمكانية تعرّضه لأشخاص يحملون الفيروس. وتم تخصيص رمز لوني لكل مواطن (الأحمر أو الأصفر أو الأخضر) بحيث يمكنه الدخول عبر تطبيق WeChat أو Airpay والكشف ما إذا كان عليه أن يخضع للحجر أو يمكنه التواجد في الأماكن العامة.
من الاستخدامات الأخرى لتقنيات الذكاء الاصطناعي جمع آلاف المقالات المتعلقة بفيروس كورونا وتوفيرها عبر محركات البحث الطبية لتسهيل الوصول إليها. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، دعا مكتب البيت الأبيض لسياسات العلوم والتكنولوجيا إلى إنشاء ما أصبح يُعرف بمجموعة بيانات كوفيد-19 البحثية المفتوحة والتي تضم 44000 مقال علمي يمكن لمجتمع البحث العلمي العالمي استخدامه والاستفادة منه.
لا تقتصر موجة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على الحكومات فحسب؛ بل لجأت بعض شركات القطاع الخاص مثل شركة BenevolentAI التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها إلى تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لجمع كميات ضخمة من البيانات المتوفرة لتحديد الأدوية الموجودة في الأسواق التي يمكن استخدامها لعلاج مرضى كوفيد-19 إلى أن يتم اكتشاف اللقاح واختباره. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تعتمد الشركات الناشئة في سان فرنسيسكو مثل شركتي Vir Biotechnology و Atomwise على تسخير الخوارزميات لإيجاد الجزيء الذي يمكن استخدامه كأساس للعلاج قبل نهاية العام وذلك للوقاية من انتشار جديد لفيروس كورونا في المستقبل.
علاوة على ذلك، فمن الممكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للتحذير من وباء قادم. ففي 31 ديسمبر، قامت شركة BlueDot وهي شركة قاعدة بيانات عالمية تُعنى بالذكاء الاصطناعي بإرسال تحذير لعملائها ليتجنبوا زيارة مدينة ووهان. وكان هذا التحذير قد صدر قبل أي إعلان من مراكز مكافحة الأمراض الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية.