الاستعانة بخبرات فنلندا التقنية في صناعة أول حاسوب كمي

الاستعانة بخبرات فنلندا التقنية في صناعة أول حاسوب كمي

1 دقيقة قراءة
يستدعي المشهد العلميُّ اليومَ نهجاً مختلفاً في التعامل مع الحوسبة والتخطيط لمستقبلها، الذي ستلعب تقنيات الحوسبة الكمية دوراً حيوياً في رسم ملامحِه، إذ تستطيع الحواسيب الكمية إنجاز تريليونات من العمليات الحسابية في الوقت ذاته، وهو ما تعجز عنه أكبر الحواسيب التقليدية وأكثرها تطوراً.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

يستدعي المشهد العلميُّ اليومَ نهجاً مختلفاً في التعامل مع الحوسبة والتخطيط لمستقبلها، الذي ستلعب تقنيات الحوسبة الكمية دوراً حيوياً في رسم ملامحِه، إذ تستطيع الحواسيب الكمية إنجاز تريليونات من العمليات الحسابية في الوقت ذاته، وهو ما تعجز عنه أكبر الحواسيب التقليدية وأكثرها تطوراً. ولذلك، تتوجه دولٌ ومؤسساتٌ مختلفةٌ نحو توسيع نطاق الأجهزة ودمجها والربط بينها. وفي فنلندا، فقد عقد المركز الفنلندي للبحوث التقنية اتفاقية شراكةٍ بين القطاعين الحكومي والخاص لبناء أول حاسوبٍ كمي بسعة 50 "كيوبِت" (Qubit) بحلول العام 2024، وذلك ضمن مشروعٍ ممتدٍ على ثلاث مراحل والذي سيقدِّم فرصاً كبيرةً للشركات وسيصقل القدرات التنافسية الفنلندية والأوروبية.

ويُقبل العالم على ثورةٍ تكنولوجية تقودها الحوسبة الكمية، إذ يمكن توظيفُ تقنياتِها في اكتشاف الأدوية وتطوير مواد جديدةٍ وبناء أجهزةٍ أكثر كفاءةً وابتكار استراتيجياتٍ مالية وغيرها الكثير؛ ومع أنّ الإصدارات الحالية من الحواسيب الكمية لم تبلغ ذروة إمكانياتها التكنولوجية، إلا أنّها تعد في غاية التطور مقارنة بالحواسيب التقليدية، فهي قادرةٌ على حلِّ أي مسألةٍ معقَّدةٍ خلال دقائق، في حين قد يتطلَّب حل هذه المسائل آلاف الأعوام من الحاسوب التقليدي. وتشمل الخدمات التي تقدمها الحوسبة الكمية حلولاً لمسائل رياضية واقتصادية وفيزيائية عدّة.

ورغم إمكانياتها الواعدة في مجالات الكيمياء والصناعة والنقل والطب والتمويل والذكاء الاصطناعيّ على سبيل المثال لا الحصر، فإنه ما يزال أداء التقنيات الكمية بحاجةٍ إلى تطويرٍ أسرعَ ودراساتٍ مكثَّفة، حيث أنها تواجه بعض التحديات التي قد تكلف المطورين تكاليف باهظة متمثلة في خسائر تصنيع الرقائق الكمية، أو صعوبة تطوير نماذج أكثر تعقيداً، أو تعرض الحواسيب الكمية للفشل بسبب الأخطاء الناتجة عن تفاعلها مع البيئة المحيطة بها، حيث يتطلب كل هذا جهداً كبيراً لتقديم الخدمات التي قد تجعل الحوسبة الكمية ممكنةً عملياً.

ولكون فنلندا تتمتع بالإمكانيات اللازمة التي تضعها في مقدمة الدول الرائدة في مجال التقنيات الكمية على مستوى أوروبا، لذلك قدَّم المركز الفنلندي للبحوث التقنية حلاً مبنياً على عقودٍ من الخبرة في مجال الإلكترونيات والتي تعمل ضمن درجات حرارة منخفضة وهي تعتبر بغاية الأهمية لتجنب فشل الحوسبة الكمية وغيرها من التقنيات الأساسية لبناء وتشغيل الحواسيب الكمية. حيث عقد المركز مع شركة "آي كيو إم" (IQM) للحوسبة الكمية اتفاقيةً لإطلاق شراكة ابتكارِ لصناعة أوّل حاسوب كميٍّ في فنلندا، وذلك بدعمٍ من الحكومة الفنلندية والتي خصصت للمشروع تمويلاً بقيمة 20.7 مليون يورو، لينطلقَ مطلعَ العام 2020. وقد تم في البداية الإعلانُ عن مناقصةٍ دوليةٍ لاختيار شريك مناسب لهذا الابتكار. وبناء على ذلك، رسا الاختيار على شركة "آي كيو إم" للحوسبة الكمية، وهي شركةٌ رائدةٌ في صناعة الحواسيب الكمية على مستوى أوروبا.

وفي الوقت نفسه، جرى العملُ على بناء وتجهيز المرافق والبنى التحتية اللازمة لإنجاز هذا العمل، إذ تتصف هذه التكنولوجيا بأنها متناهيةُ الدقة وشديدةُ الحساسية، مما يستدعي تأمين بيئةٍ بالغة البرودة ومستلزماتٍ ذات مواصفاتٍ محددة. فينبغي مثلاً تركيبُ معداتٍ ميكانيكيةٍ وكهربائيةٍ متطورة، وأنظمة تكييفٍ مضبوطةٍ بحرص شديد ووفق شروط صارمة طالت أصغر القطع والمواد المستخدمة في تطوير الحاسوب الكمي. وبالإضافة لهذا، فقد جرى التعاقد مع شركة "بلوفورز" ((Bluefors الفنلندية لبناء جهاز التبريد المطلوب لإنجاز المهمة.

ويقوم الهدف النهائيُّ للمشروع على صناعة حاسوبٍ بسعة 50 كيوبِت بحلول العام 2024، حيث أن الكيوبِت (البِت الكمي) هي الوحدة المستخدمة في قياس كمية البيانات في الحواسيب الكمية. وينقسم المشروع إلى ثلاث مراحل، ستمتدُّ مرحلته الأولى لقرابة عام، حيث يجري حالياً العمل على حاسوبٍ كمّي باستطاعة 5 كيوبِت، والذي تم الانتهاء من بناء المعالج الكمي الخاص به، ليكون جاهزاً للاستخدام بحلول نهاية العام، إظهار خبرة فنلندا في صناعة هذه الحواسيب. وبالتزامن مع هذا، يعمل فريق البرمجة على اختبار الخوارزميات الرئيسية التي ستُستخدم لتشغيل الحاسوب الكمي، وبمجرد أن يتمَّ تشغيلُه واختبارُه، ستنطلق المرحلتان الثانية والثالثة على التوالي إلى أن يتم تحقيق الهدف الأساسي والمتمثل في تصنيع حاسوب كمي باستطاعة 50 كيوبِت.

وبالتوازي مع العمل على الحاسوب الكمي، سيواصل المركز الفنلندي للبحوث التقنية تطويرَ أداءِ هذه التقنيات في مجالاتٍ أخرى، مثل أجهزة الاستشعار الكمية نظراً لدورها المهم في التصوير والتشخيص الطبيَين، أو خوارزميات التشفير الكمي التي يمكن توظيفُها لحماية شبكات المعلومات.

وسيتم تطوير الحاسوب الكمي في "معهد مايكرونوفا للأبحاث" (Micronova) في مدينة "إسبو" الفنلندية، حيث يوجد مقرٌّ بحثيٌّ مشتركٌ بين المركز الفنلندي للبحوث التقنية وجامعة "آلتو"، ويتضمّن الغرفة النظيفة والتي يتمُّ داخلَها تصنيع مكوِّنات الحاسوب الكمي. وبعدئذٍ، يمكن إخضاع الحاسوب للتجارب والاختبارات الأولية التي ستبيِّن ما قد يواجه المشروع من تحديّاتٍ للعمل على اجتيازها مستقبلاً.

وإن الهدف من هذا المشروع لا يقتصر على تطوير حاسوبٍ كمي فحسب، بل يتعداه إلى اكتساب الخبرة في مجال الحوسبة الكمية، في تخصصات الأجهزة والبرمجيات والتطبيقات المستقبلية. وسيحقق هذا التعاون منعطفاً في قدرات التقنيات الكمية في فنلندا، ويفسح المجال للاستفادة من التطبيقات المتنوِّعة لهذه التقنيات في مجالاتٍ عدة، كما أنّ الاستثمار في الابتكار سيعزز قدرة الجهات الحكومية والخاصة على مواجهة التحديات العالمية المستقبلية وتحقيق النمو المستدام.

أما على المدى البعيد، فستفتح هذه التقنية آفاقاً غير محدودةً من الحلول الهادفة إلى تحسين حياة البشرية، وبحلول العام 2030، تتوقع فنلندا أن تمتلك منصةً رئيسيةً لمعالجة البيانات، وأن تطور حواسيبها الكمية وقابليتُها للاستخدام في مساعدة الجهات المختلفة على مواجهة التحديات العالمية.

المراجع:

https://www.vttresearch.com/en/news-and-ideas/building-finlands-first-quantum-computer-begins-vtt-partners-quantum-startup-iqm

https://www.vttresearch.com/en/news-and-ideas/building-finlands-first-quantum-computer-underway-and-schedule-vtt

https://www.vttresearch.com/en/ourservices/quantum-technology

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

استخدام الطائرات المسيّرة في فحص البنى التحتية لعمليات أكثر أماناً واستدامةً

أطلقت قضية سلامة البنى التحتية والحفاظ عليها سباقاً محموماً بين حكومات العالم، ليصل العديد منها في آسيا وأوروبا وأمريكا إلى استخدام تقنية الطائرات المسيّرة من دون طيار لإجراء عمليات التفتيش الدورية لهذه البنى بغية توفير الوقت والتكلفة وزيادة الدقة وتعزيز الكفاءة.

 · · 15 مايو 2023

دول آسيوية تعلّق آمالها على الحافلات ذاتية القيادة

يبدو أنّ المركبات ذاتية القيادة هي مستقبل النقل. قناعةٌ توصّلت إليها دول آسيوية عدّة أبرزُها كوريا الجنوبية والصين واليابان، وكلٌّ منها تعمل بدأب لتغيير شكل منظومة النقل عبر إجراء التجارب وسنّ التشريعات وتطوير التقنيات.

 · · 15 مايو 2023

سنغافورة تختبر طرقاً عديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم

على عكس بعض الحكومات التي اتخذت موقفاً متحفظاً، بل وسلبياً أحياناً، حيال اعتماد روبوت الدردشة المستند إلى الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، تعملُ حكومة سنغافورة بجدية على اختبار تطبيقاتٍ تستند إلى الذكاء الاصطناعي وترمي إلى تعزيز تجربة التعلّم للطلبة وللمعلّمين على حد سواء، وعلى ثلاثة محاور: التعلّم التكيّفي، وتقييم أعمال الطلبة، وتقديم ملاحظات على النصوص البرمجية التي يقدمها طلبة البرمجة.

 · · 25 أبريل 2023

سنغافورة تتجه صوب الأعماق في مشروعٍ لرقمنة باطن الأرض

من أجل حياة أفضل للمواطنين، وللتغلّب على محدوديّة المساحات المتاحة ضمن جغرافيّة البلاد الصغيرة، وجّهت سنغافورة اهتمامها إلى باطن الأرض، وأطلقت مبادرةً بحثيّة تطبيقيّة متكاملة استعانت فيها بالوسائل الرقمية، وبدمج البيانات، بهدف إتاحة معلومات موثوقة تتيح تخطيطاً وإدارةً أفضل للحيّز الجوفيّ تحت الأرض، بغية استخدامه في بناء مرافقها وتشييد بنيتها التحتية، والاستعداد لدعم خطط سنغافورة المستقبلية.

 · · 12 أبريل 2023

أجهزة استشعار ذكية لشتاء آمن في الشوارع البريطانية

تألف المملكة المتحدة الشتاءات الباردة، لكنّها تسعى لإيجاد حلول لتخفيف قسوتها، لذلك شرعت مجالس محلية عدة في تركيب شبكات من أجهزة الاستشعار تراقب ظروف الطقس وحالة الطرق لتساعد السلطات على اتخاذ قراراتٍ مستنيرة وإرسال الفِرَق البلدية إلى المكان الصحيح، وفي الوقت الصحيح.

 · · 4 أبريل 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right