الابتكار من الماضي ... بنغلادش تحيي تقنية المزارع العائمة

الابتكار من الماضي ... بنغلادش تحيي تقنية المزارع العائمة

1 دقيقة قراءة
سعياً لتحقيق الأمن الغذائي الذي يهدده خطر الفيضانات، يستخدم المزارعون البنغاليون حلّاً عمره قرون، وهو تربية محاصيلهم في مزارع عائمةٍ على سطح المياه، مدعومين باهتمامٍ حكوميٍّ وغير حكوميّ يرى في هذا الابتكار ركيزةً في التنمية ومكافحة الفقر.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

سعياً لتحقيق الأمن الغذائي الذي يهدده خطر الفيضانات، يستخدم المزارعون البنغاليون حلّاً عمره قرون، وهو تربية محاصيلهم في مزارع عائمةٍ على سطح المياه، مدعومين باهتمامٍ حكوميٍّ وغير حكوميّ يرى في هذا الابتكار ركيزةً في التنمية ومكافحة الفقر.

قدّم العلم والتكنولوجيا تفسيراتٍ للكثير من الظواهر وحلولاً للعديد من المشاكل، لكنّ للطبيعةِ طريقتَها في إرغامنا دوماً على العودة إلى الحلول البسيطة التي ابتكرها أجدادُنا استجابةً لحاجاتٍ تفرضها كلٌّ من الجغرافيا والمناخ.

في بعض البلدان، تجتمع الجغرافيا الفريدة مع المناخ القاسي، كما في بنغلادش. فالإقليم البنغاليّ ليس أرضاً واطئةً فحسب، بل وكثيرة الأمطار، وهي فعلياً سهولٌ من الطمي شكّلها نهر الغانج وروافده شديدة الترسيب، والتي كثيراً ما تغيّر مساراتِها. وحين تهبّ الرياح الموسمية العاتية وتذوب الثلوج في قمم الهيمالايا، تكون النتيجة فيضاناتٍ تغطي مساحاتٍ شاسعةً من البلاد لفترة قد تقارب ثمانية أشهر من السنة.

حقيقةٌ توَّجَها تغير المناخ مكرِّساً هذه الظواهر الجوية كحالةٍ شبه دائمة، ففي مناطق السهول الفيضية جنوبَ غرب البلاد، أصبحت الأراضي الجافة نادرةً جداً، وحتى في حال انحسرت مياه الفيضانات مؤقتاً، تكون التربة قد وصلت إلى درجةٍ من التشبُّع تجعلها غير صالحة للزراعة التي تمثِّل أحد أهم القطاعات المساهِمة في الناتج المحلي الإجمالي. وقد يكون هذا كارثياً في واحد من أفقر بلدان العالم، حيث تعاني الدولة لإدارة شؤون 160 مليون مواطن، نصفُهم لا يملك أراضٍ، ومعظمهم يتأرجح بين البحث عن مِهَن أخرى أو النزوح هرباً من الظواهر الجوية المتطرّفة، وهؤلاء النازحون سيشكّلون 14% من البنغاليين بحلول منتصف القرن، ما لم توجد حلول تغيِّر واقعهم ولو جزئياً.

لهذا، كثّفت العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية جهودَها، وأطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ وبرنامج إدارة البيئة المستدامة التابع لحكومة بنغلادش مشروعاً أهلياً لإدارة الموارد الطبيعية، بغرض المساعدة في مكافحة الفقر وتحقيق الأمن الغذائيّ، جنباً إلى جنب مع وزارة الإرشاد الزراعيّ والاتحاد الدوليّ لحفظ الطبيعة ومركز بنغلادش للدراسات المتقدّمة ومعهد البحوث الزراعية، ويدعم الأخير السكان المحليين في إيجاد سبل التكيُّف مع طبيعة بلادهم.

من بين هذه السبل، توجّه البنغاليون إلى تراثهم بحثاً عن الحلول، وشرعوا بإعادة إحياء نمط من الزراعة المائية مارسه أسلافهم لقرون، وهو يُعرف بمزارع الخضروات العائمة.

تقوم الفكرة على استخدام النباتات المائية كأَسرّة للمزروعات، إذ تُجمع أغصان هذه النباتات، وفي مقدِّمتها ورد النيل أو زنابق الماء، وتُضفَر سيقانها بعضُها ببعض بحيث تبدو وكأنّها قطعة قماشٍ منسوجةٌ تبرز منها بعض الزهور. ولأنّها مائيةٌ بطبيعتها، لا تُغمر هذه النباتات بالمياه، بل تطفو على سطحها وترتفع أو تنخفض تبعاً لمنسوبها.

تمرّ العملية عبر سلسلة من الخطوات، ففي فصل الشتاء تتم حراثة الأرض وتوضع بذور المحاصيل في كراتٍ صغيرةٍ مصنوعةٍ من الخث، وهو نوع من الأتربة التي تتكوّن نتيجة تحلّل بعض النباتات، وتُستخدم في الزراعة بسبب فوائدها في تعديل نِسَب الحموضة والرطوبة والأكسدة، ثم تُلفّ هذه الكرات بألياف جوز الهند، وتُترك البذور أسبوعاً تنمو خلاله إلى أن يقارب طولُها 15 سنتيمتراً ليتمّ نقلُها إلى الأَسرّة العائمة وتثبيتُها بأعواد الخيزران حتى لا تجرفها التيارات المائية، وغالبية هذه المزروعات من الخضروات الورقية.

اليوم، تعمل وزارة الزراعة على توسيع نطاق هذا الابتكار، فقامت بتدريب أكثر من 500 مزارعٍ ونفّذت المشروع في أكثر من 50 موقع، حيث كان هدفُها تأمين احتياجات 12 ألف أسرة، مع التركيز على دعم النساء المُهمّشات وإكسابهنّ الخبرة اللازمة لتطبيق هذا النهج وإعالة عائلاتهنّ.

رغم ما حظيت به هذه الممارسة الزراعية من انتشارٍ والتزامٍ سياسيٍّ وتمويل، ما تزال في حالة عدم استقرار، فالمنظمات غير الحكومية ومشاريع التنمية المجتمعية قد وجّهت حملات الدعم والتدريب للعائلات المُعدمة التي لم ترَ فيه أكثر من مصدرٍ غذائيٍّ لأفرادها، فاكتفت بزراعة شتلات الأرزّ، وأهملتها بمجرد انتهاء المشروع.

على أي حال، هذه المزارع ليست حلّاً جذرياً، فهي لا تستطيع الصمود أمام الظواهر الجوية الأكثر قسوة، لا سيما في حال استمرار آثار تغيُّر المناخ دون تدخّل فعّال.

وفي حين بدا تطبيق هذه الابتكار سهلاً في بعض المناطق لكونه تقليداً متوارَثاً، فقد كان تحدياً حقيقياً في مناطق أخرى غير معتادةٍ عليه، وكان إيجاد المواقع المناسبة وتثقيفُ السكان بمثابة إقحامٍ لموروثٍ شعبيٍّ غريب، مرفوضٍ أو مستهجنٍ على الأقلّ.

وتنادي أصوات عديدة لتوسيع الدور الحكومي في تقريب هذا الابتكار من أذهان الناس، وجعله جزءاً من الاستراتيجيات المطوّرة محلياً والساعية لتحقيق الاكتفاء الذاتيّ والاستدامة.

تحمي هذه الطريقة المحاصيل من أضرار المياه الفائضة عن حاجتها، وفي الوقت نفسه تنقل إليها المواد المغذية المتحللة، ما يقلّل الحاجة إلى الأسمدة الكيماوية.

اليوم، يتّبع أكثر من 6 آلاف مزارع هذه الممارسة، ويرعَون مزارع عائمةً تغطي آلاف الهكتارات، بينما تواصل الجهات البحثية دراساتها لزيادة كفاءة هذا النهج الذي تصنِّفه الأبحاث كأفضل إنتاج غذائيٍّ لـ 90% من سكان المناطق الرطبة.

ولأنّ هذه المزارع العائمة تجمع بين التنوّع البيولوجيّ الزراعيّ والنُّظم البيئية المرنة والتراث الثقافيّ، فقد عدّتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة نظاماً زراعياً تراثياّ ذا أهميةٍ عالمية.

المراجع:

https://www.reuters.com/world/asia-pacific/seas-rise-bangladesh-farmers-revive-floating-farms-2022-10-20/

https://www.thedailystar.net/views/opinion/news/what-will-the-next-phase-floating-agriculture-look-2140951

https://www.bbc.com/future/article/20200910-the-remarkable-floating-gardens-of-bangladesh

اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

ثلاث مدن تنفّذ حلولاً مبتكرة لمواجهة موجات الحر

تمثّل ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة الحاد في المدن تهديداً لصحة السكان وجودة حياتهم. لذا تسعى الحكومات إلى اعتماد طرائق مبتكرة لاحتواء هذه الظاهرة، بدءاً من إرشاد الناس للاحتماء منها كما في ملبورن السويسرية، مروراً بإنشاء المساحات الخضراء لتبريد المدينة وكسر حدة التلوّث كما في باريس الفرنسية، وليس انتهاءً بتركيب مظلّات تقي الناس حرّ الشمس كما في إشبيلية الإسبانية.

 · · 19 ديسمبر 2023

الحكومات المحلية في المملكة المتحدة تستثمر التكنولوجيا الجغرافية المكانية

تسعى العديد من الحكومات المحلية في المملكة المتحدة لإدماج الأدوات التقنية في عمليات التخطيط، واللجوء إليها لفهم البيئات الحَضَرية ورسم الخرائط التفاعلية والتصوّرات ثلاثية الأبعاد وإشراك الناس في عمليات صنع القرار.

 · · 18 سبتمبر 2023

اختبار مياه الصرف الصحي مرجعاً لقرارات الصحة العامة

كوسيلةٍ إضافيةٍ لتتبُّع حركة فيروس كورونا الذي يتطوّر بوتيرةٍ شبه يومية، لجأت بعض الدول كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى مراقبة شبكات الصرف الصحيّ وتحليل عيناتٍ منها لرصد وجود الفيروس في منطقةٍ ما قبل حتى ظهور أيّ إصابةٍ فيها.

 · · 25 أبريل 2023

مدن أمريكية تسوِّق لسكانها تطبيق الأمن السيبرانيّ

مع انتقال الكثير من الأنشطة الحياتية والوظيفية إلى الإنترنت وتزايُد المخاطر هناك، تتلاحق المدن الأمريكية لاستكشاف الحلول لحماية مواطنيها ومؤسساتها، فتبنّت العديد من المدن مثل دالاس ونيويورك وميشيغان سياسة تطوير التطبيقات الذكية التي تحظر البرمجيات الضارة وترشِد المستخدمين إلى تدابير الحماية.

 · · 12 أبريل 2023

إستونيا تختار التعهيدَ الجماعي وسيلةً للحفاظ على اللغة المحلية

للحفاظ على الإرث اللغويّ وتسهيل تطوير تقنيات الكلام، تعمل الحكومة الإستونية على إنشاء أكبر قاعدة بياناتٍ للّغة المنطوقة بمشاركة متطوعين من مختلف الفئات المجتمعية.

 · · 7 مارس 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right