اقتصاد الملابس الدائريّ يساهم في تطوير الطرق في ولنغتون

اقتصاد الملابس الدائريّ يساهم في تطوير الطرق في ولنغتون

1 دقيقة قراءة
في نيوزيلندا، يُنتج كلّ شخص قرابة 44 كيلوغرام من نفايات المنسوجات كلّ عام، أي أنّ دورة حياة 100 ألف طنٍّ منها تنتهي في مكبّات النفايات، مُنتِجة أكثر من ثلاثة أضعاف وزنِها من ثاني أكسيد الكربون، فتشغلُ 6% من مساحة مكبّ النفايات، وتنفرد بـ 30% من انبعاثاتِه. ورغم أنّ تقليل استهلاك الملابس قد يكون مفتاحاً للحل، فهو ليس كافياً، فإعادةُ استخدامِها أو التبرُّعُ بها خياران محدودا الفاعلية، أما اللجوءُ لإعادة التدوير أو الحرق فيعني كلفةً اقتصادية مرتفعة. لكنّ الملابس ليست المصدرَ الوحيد لهذه النفايات، فهناك المنسوجات التجارية التي تستخدمها الفنادق، والمشترياتُ الحكومية كالأزياء الموحّدة ومعدات الوقاية الشخصية ومستلزمات الجيش والسجون ومجالس الصحة في المقاطعة. ولأنّ معظم هذه المواد غير قابلةٍ للتحلُّل، فهي تخلِّف آثاراً بيئية عميقة، من تلويثٍ للتربة والمياه الجوفية وفقدانٍ للتنوّع البيولوجيّ الطبيعيّ.
شارك هذا المحتوى

أضف إلى المفضلة ♡ 0

ضمن تجربة هي الأولى من نوعها في نيوزيلندا، تبحث الحكومة عن البدائل المستدامة لنفايات المنسوجات في مجالات كالبناء والصناعات الجيوتقنية لتخفيض البصمة الكربونية وتعزيز الاقتصاد الدائري.

يعدّ معظم ما ينتجه ويستهلكه العالم اليوم خطيّاً. بمعنى أنه شبيه بمسيرة حياةٍ تنتهي كلياً بانتهاء العمر الافتراضيّ للمنتج، الواقعُ الذي يحاول الاقتصاد الدائريّ تغييرَه بإنشاء دورة حياةٍ للنفايات، تمرّ فيها بعدة مراحل، بدءاً من وضعها في الحاويات وجمعِها، وصولاً إلى دفنِها أو إحراقِها أو استخدامِها لإنتاج الطاقة أو إعادة تدويرِها لتغدو منتجاً آخر يخوضُ دورةً جديدة. وتشكِّل نفايات المنسوجات جزءاً مهماً وسريع النموّ من هذه العمليات، فصناعة الأزياء وحدَها مسؤولةٌ عن 10% من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، متفوِّقةً على قطاعَي النقل الجويّ والشحن الدوليّ مجتمعَين.

في نيوزيلندا، يُنتج كلّ شخص قرابة 44 كيلوغرام من نفايات المنسوجات كلّ عام، أي أنّ دورة حياة 100 ألف طنٍّ منها تنتهي في مكبّات النفايات، مُنتِجة أكثر من ثلاثة أضعاف وزنِها من ثاني أكسيد الكربون، فتشغلُ 6% من مساحة مكبّ النفايات، وتنفرد بـ 30% من انبعاثاتِه. ورغم أنّ تقليل استهلاك الملابس قد يكون مفتاحاً للحل، فهو ليس كافياً، فإعادةُ استخدامِها أو التبرُّعُ بها خياران محدودا الفاعلية، أما اللجوءُ لإعادة التدوير أو الحرق فيعني كلفةً اقتصادية مرتفعة. لكنّ الملابس ليست المصدرَ الوحيد لهذه النفايات، فهناك المنسوجات التجارية التي تستخدمها الفنادق، والمشترياتُ الحكومية كالأزياء الموحّدة ومعدات الوقاية الشخصية ومستلزمات الجيش والسجون ومجالس الصحة في المقاطعة. ولأنّ معظم هذه المواد غير قابلةٍ للتحلُّل، فهي تخلِّف آثاراً بيئية عميقة، من تلويثٍ للتربة والمياه الجوفية وفقدانٍ للتنوّع البيولوجيّ الطبيعيّ. 

وقد سبق أن أطلقت الحكومة "النفايات المُركَّبة"، وهي تتكوّن من نُسج وألياف صناعية، وتهدف لاستبدال الألياف المصنوعة من مواد أولية بنفايات المنسوجات، ورغم أنّ هذا ممكن تقنياً، فهو يزيد الاستخدامَ تعقيداً.

لهذا، أطلق مجلس مدينة ولنغتون تجربة جديدة صمَّمها بالتعاون مع شركات من القطاع الخاص مختصة في صناعة السيارات والبنى التحتية وأعمال الطرق، بالإضافة إلى فريق عمل مبادرة "يوزْد فولي" لإعادة تدوير الملابس والمنسوجات.

تقوم الفكرة على إيجاد تطبيقاتٍ أخرى لنفايات المنسوجات وتوظيفِها في قطاعاتٍ قد تبدو بعيدةً كلّ البُعد عن استخداماتِها الأصلية، مثل تشييد الأبنية والطرق، وتطوير عوازل حرارية وصوتية مستدامة، وإيجاد طرق مبتكرة لتصنيع مواد البناء كالمَلاط والخرسانة وإسمنت البوليمر والإسفلت.

على سبيل المثال، يعمل الفريق حالياً على استيراد السيللوز لتحويلِه إلى مادة تُضاف إلى الخلطة الإسمنتية لتعبيد الطرق، لجعلها أكثر استقراراً وتجانساً ومتانة.

وفقاً للخطة، ينبغي أن يكون 17% من الاقتصاد العالميّ دائرياً بحلول العام 2032. ولأنّ الوصول إلى اقتصاد دائريّ بالمعنى الحقيقي يعني إدخالَ تغييراتٍ جذريةً على أنظمة الإنتاج والاستهلاك، تدعم الحكومة النيوزيلندية كلّ المنظمات والمشاريع والمبادرات في مجال الاقتصاد الدائري، بما يخدم هدفَ تحويل ولنغتون إلى عاصمة خالية من الكربون بحلول العام 2050. ولتحقيق هذه الغاية، وضعت مخطّطاً يشمل الأنشطة الفعّالة في 4 مجالاتٍ رئيسية، وهي النقل، وبناء الطاقة والنموذج الحضريّ، والمناصرة، والمجلس.

هذا وقد سبقَ لدول كثيرة اتخاذُ إجراءات مشابهة، مثل الحظر الذي فرضته دول الاتحاد الأوروبي على إلقاء المنسوجات في المكبّات، وإصدارِها قرار السماح لرواد الصناعة بتصميم أنظمتها وعملياتِها وإدارة تمويلِها بدءاً من العام 2025.

لن يكون الطريق إلى الاقتصاد الدائريّ سهلاً، فهو يتطلب فهماً مشتركاً لأبعادِه وتنسيقاً وثيقاً بين القطاعات وقيادةً قويةً تضع أُسسَ العمل وتضمن الالتزامَ بها. وهنا يبرز تحدٍّ آخر. فلدى الوكالات المسؤولة عن هذه العملية ثقافات وأولويات تنظيمية مختلفة، وقد تتبنّى طرق تفكيرٍ بعيدةً عن النهج الشمولي للعمل، الأمر الذي يعيق تبنّي استراتيجيةٍ اقتصاديةٍ حقيقية. لكنّ ذلك لا يعني أنّ رحلةَ التحوّل مسؤوليةُ الحكومةِ وحدَها، إذ لا بدّ من خطةٍ تعاونيةٍ تحظى بدعم المنظمات المحلية ومؤسسات المجتمع المدنيّ. تُضاف إلى هذا قضيةُ التخوُّف من زيادة مسؤولية الشركات عن النفايات، رغم أنّ العديد منها تتبنى ممارسات دائرية وتقدّم أفكاراً مُبتكرة. لكن، تبقى هذه الأفكار بحاجة إلى من ينظِّمها ويضعها على طاولات صنّاع القرار. 

أما ابتكار المنسوجات النيوزيلنديّ، فهو سيساهم في تحسين أداء الطرق وتخفيف اعتماد الدولة على المنتجات المستوردة، ما سيجعل القطاع ككل أكثرَ مرونة، كما سيأخذ بيد المنظّمات للتحرك إزاء قضية تغيُّر المناخ بتحويل المنسوجات غير المرغوب فيها إلى حلول محلية واقعية، وسيساعد في إيجاد فرص العمل وفتح آفاق اقتصادية جديدة.

بيئياً، يمكن لنجاح هذه الفكرة تقليلُ انبعاثات الغازات الدفيئة بما يعادل 400 ألف طن من مكافئ ثنائي أكسيد الكربون سنوياً، فكلُّ طنٍّ من المنسوجات الداخلة في تعبيد الطرق ستوفِّر حوالي 22 كيلوغراماً من الانبعاثات ومليون لترٍ من الماء.

على مستوى أعمق، يقدّم هذا المشروع المشترك مثالاً على التعاون والعمل المركّز لتحقيق الاستدامة والانتقال إلى الاقتصاد الدائريّ منخفض الكربون.

المراجع:

  • https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2666790822000258 
  • https://www.nzherald.co.nz/brand-insight/govt-biggest-problem-in-clothing-carbon/EOTEB7ESZIAXLJHCUXTGP2I4GQ/ 
  • https://wellington.govt.nz/news-and-events/news-and-information/our-wellington/2022/04/usedfully-textiles-in-roads-trial
  • https://theconversation.com/nzs-government-plans-to-switch-to-a-circular-economy-to-cut-waste-and-emissions-but-its-going-around-in-the-wrong-circles-170704#:~:text=Doubling%20the%20circularity%20of%20New,are%20composted%20to%20replenish%20soils.
اشترك في منصة ابتكر لتبقَ على اطلاع على أحدث المبادرات والمساقات والأدوات والابتكارات الحكومية
قم بالتسجيل
أشترك في القائمة البريدية لمنصة ابتكر | كل أسبوع
القائمة البريدية للمبتكرين
نشارك أكثر من 20,000 مبتكر أسبوعياً نشرة أخبارية ترصد الابتكارات العالمية من كافة أنحاء العالم
Subscription Form (#8)
المزيد من ابتكر

ثلاث مدن تنفّذ حلولاً مبتكرة لمواجهة موجات الحر

تمثّل ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة الحاد في المدن تهديداً لصحة السكان وجودة حياتهم. لذا تسعى الحكومات إلى اعتماد طرائق مبتكرة لاحتواء هذه الظاهرة، بدءاً من إرشاد الناس للاحتماء منها كما في ملبورن السويسرية، مروراً بإنشاء المساحات الخضراء لتبريد المدينة وكسر حدة التلوّث كما في باريس الفرنسية، وليس انتهاءً بتركيب مظلّات تقي الناس حرّ الشمس كما في إشبيلية الإسبانية.

 · · 19 ديسمبر 2023

الحكومات المحلية في المملكة المتحدة تستثمر التكنولوجيا الجغرافية المكانية

تسعى العديد من الحكومات المحلية في المملكة المتحدة لإدماج الأدوات التقنية في عمليات التخطيط، واللجوء إليها لفهم البيئات الحَضَرية ورسم الخرائط التفاعلية والتصوّرات ثلاثية الأبعاد وإشراك الناس في عمليات صنع القرار.

 · · 18 سبتمبر 2023

اختبار مياه الصرف الصحي مرجعاً لقرارات الصحة العامة

كوسيلةٍ إضافيةٍ لتتبُّع حركة فيروس كورونا الذي يتطوّر بوتيرةٍ شبه يومية، لجأت بعض الدول كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى مراقبة شبكات الصرف الصحيّ وتحليل عيناتٍ منها لرصد وجود الفيروس في منطقةٍ ما قبل حتى ظهور أيّ إصابةٍ فيها.

 · · 25 أبريل 2023

مدن أمريكية تسوِّق لسكانها تطبيق الأمن السيبرانيّ

مع انتقال الكثير من الأنشطة الحياتية والوظيفية إلى الإنترنت وتزايُد المخاطر هناك، تتلاحق المدن الأمريكية لاستكشاف الحلول لحماية مواطنيها ومؤسساتها، فتبنّت العديد من المدن مثل دالاس ونيويورك وميشيغان سياسة تطوير التطبيقات الذكية التي تحظر البرمجيات الضارة وترشِد المستخدمين إلى تدابير الحماية.

 · · 12 أبريل 2023

الابتكار من الماضي ... بنغلادش تحيي تقنية المزارع العائمة

سعياً لتحقيق الأمن الغذائي الذي يهدده خطر الفيضانات، يستخدم المزارعون البنغاليون حلّاً عمره قرون، وهو تربية محاصيلهم في مزارع عائمةٍ على سطح المياه، مدعومين باهتمامٍ حكوميٍّ وغير حكوميّ يرى في هذا الابتكار ركيزةً في التنمية ومكافحة الفقر.

 · · 31 مارس 2023
magnifiercrossmenuchevron-downarrow-right