تم إطلاق برنامج "المناطق الذكية" في وسط مدينة ناشفيل الأمريكية، وهي أحد المدن النابضة بالحياة في ولاية تينيسي والتي تحوي العديد من الفعاليات الترفيهية والموسيقية والمطاعم، وذلك للتغلب على التحديات الناجمة عن ازدحام شوارع المدينة وخصوصاً في المناطق التي تستخدمها شركات الشحن لتحميل وتفريغ البضائع. ويستند هذا البرنامج إلى تطبيق ذكي يقدم معلومات في الوقت الفعلي تتيح لسائقي مركبات الشحن البحث عن الأماكن المتاحة داخل ثماني "مناطق ذكية" مخصصة لنقل البضائع والتمكن من حجزها عبر التطبيق.
وتشهد أرصفة تحميل وتفريغ البضائع في مراكز المدن والمناطق الحضرية ازدحاماً شديداً واستخداماً عشوائياً، يسبب الكثير من الاختناقات المرورية، مما يؤثر سلباً على سير الخدمات في تلك المناطق وجودة حياة السكان فيها. ومع ارتفاع عدد عمليات شحن البضائع وخدمات التوصيل المترافقة مع زيادة الطلب على التجارة الإلكترونية في ظلّ جائحة كوفيد-19، باتت هذه الظاهرة مسألة مهمّة تؤرق العديد من الجهات الحكومية المحلية المعنية بتنظيم المرور، حيث تضطر السلطات عادةً إلى التدخّل لتنظيم سير الأمور في عملية تعرف باسم "إدارة الأرصفة". وفي هذا السياق، توجهت مدينة ناشفيل مؤخراً نحو إيجاد حل مبتكر وذكي بالتعاون مع القطاع الخاص للتصدي للتحديات الناجمة عن الاستخدام العشوائي لأرصفة تحميل البضائع في المدينة، حيث تبلورت جهودها في اعتماد برنامج لإدارة الأرصفة ينظم عمليات نقل البضائع من خلال تطبيق ذكي متاح لسائقي مركبات الشحن.
وقد جاءت هذه المبادرة ضمن برنامج أوسع شمل أربع مدن في الولايات المتحدة كانت قد أطلقته شركة "كورد" (Coord)، وهي شركة رائدة في إدارة الأرصفة وتزويد المدن الذكية بالأدوات اللازمة للتعامل مع المساحات المتوفرة، وتسعيرها، وتخصيصها، وإدارتها رقمياً. ومن هذا المنطلق، رأت بلدية ناشفيل فرصة لتحسين عمليات إدارة الأرصفة فيها كثمرة تعاون بين القطاعين الحكومي والخاص. حيث تعد هذه المدينة من أكثر المدن حيوية في الولايات المتحدة لكثرة المطاعم ودور الموسيقى والثقافة والفنون فيها. وشاركت بلدية المدينة في هذه التجربة سعياً منها إلى تبسيط عمليات التحميل على الأرصفة، وتقليل الازدحام، ودعم النشاط الاقتصادي المحلي، نظراً لأن عمليات تسليم البضائع التجارية تمثل عنصراً ضرورياً في منطقة وسط المدينة والتي تنتج 25% من عائدات ضريبة المبيعات.
وتمثّل تجربة برنامج "المناطق الذكية" نموذجاً لتحسين إدارة الأرصفة من حيث تبسيط عمليات تحميل البضائع وتخفيف الازدحام ودعم النشاط الاقتصادي المحلي، في الوقت الذي تتيح فيه لسائقي مركبات الشحن، من خلال الدعم الذي تقدمه تقنيات شركة "كورد" الذكية، استخدام أجهزتهم المحمولة من أجل تحديد المواقع في مناطق التحميل القريبة والمتاحة لهم لحجزها والدفع مقابل استخدامها. وبهذه الطريقة تعمل "المناطق الذكية" على تعزيز الحيوية الاقتصادية للمناطق التجارية من خلال تسهيل حصول الشركات والمطاعم على المواد والإمدادات التي يحتاجونها بشكل سلس، بالإضافة إلى تحسين تجربة السكان وزوار منطقة وسط المدينة في ناشفيل. ومن الإنجازات التي تحققها "المناطق الذكية" مقارنة بالطرق التقليدية والتي غالباً ما تكون غير منظمة هي تحسين مستوى سلامة المركبات والمشاة من خلال الحد من أخطار الطرقات مثل وقوف السيارات المزدوج على جانب الطريق ومنع وصول المشاة أو راكبي الدراجات الهوائية أو السكوتر إلى وجهتهم أو حجبهم عن رؤية سائقي المركبات مما قد يؤدي إلى حوادث جسيمة.
كما أن تجربة "المناطق الذكية" ستزود بلدية ناشفيل بالمعلومات الضرورية لتمكين السلطات المعنية بالمرور وسلامة الطرقات من إجراء تغييرات في سياسات المدينة أو قوانينها تستند إلى الأدلة والبيانات التي يتم جمعها عبر تطبيق ومنصة "كورد". فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام بيانات البرنامج لفهم متى وأين تشتد الحاجة إلى مساحات التحميل وللمساعدة في إدارة الطلب عليها من خلال تحديد التسعيرة والحدود الزمنية المتاحة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دراية السائقين بمعلومات عن توفر مساحات التحميل في "المناطق الذكية" وقواعدها وأسعارها في الوقت الفعلي، تسمح للبلدية بإجراء تعديلات على القواعد والأنظمة بما يستجيب للفعاليات والأنشطة المقامة في المدينة، أو حالات الطوارئ التي تتعرض لها، من دون عناء يذكر، ومن دون تكبّد تكاليف لتعديل اللافتات في الشارع.
ومما سبق تثمّن بلدية مدينة ناشفيل انضمامها إلى هذا المشروع الرائد في إدارة الأرصفة رقمياً، ليس فقط لأن منطقة وسط المدينة تعاني من تحديات عدّة ناجمة عن الاستخدام العشوائي لمساحات تحميل البضائع، بل وأيضاً لأن هذه الخطوة تأتي بمثابة دعامة قوية لخطة ناشفيل للنقل، ورؤيتها التي تهدف إلى الوصول إلى معدل الصفر للوفيات الناجمة عن حوادث الطرق وزيادة السلامة المرورية بشكل عام.
المراجع: