في مسعى لتثبيت مكانة سنغافورة كميناء رئيسي عالمي ومركز بحريّ دوليّ وتعزيز مصالحها الاستراتيجية وحمايتها، تعاونت هيئة النقل البحري والموانئ في سنغافورة مع المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة لإطلاق منصة إلكترونية تحمل اسم "نِكست جين" (NextGEN) لتكون ملتقى لرواد القطاع والمبتكِرين والباحثين لمشاركة مبادرات إزالة الكربون في مجال النقل البحري.
أمام تفاعل المنظومة البيئية مع زيادة نسب غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، بات من الضروري احتواء هذه الانبعاثات لإعادة التوازن إلى النظام البيئي بأكمله، وهو هدف يستدعي تضافر جهود المنظمات والمواطنين والمؤسسات والحكومات بقطاعاتها الحيوية كافةً، وفي مقدمتها قطاع التجارة والشحن البحري.
تشير الأرقام إلى أنّ قطاع الشحن البحري مسؤول عن حوالي 3% من الإجمالي العالميّ لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وبما أنه يحتضن من 80% إلى 90% من حركة التجارة العالمية، فهو يمثل وحده قرابة 9% من انبعاثات قطاع النقل العالمي. ويواجه القطاع تحديات كبيرة في بلوغ الأهداف الطموحة نحو إزالة الكربون باستخدام التقنيات وأنواع الوقود المتاحة حالياً، سواء كانت منخفضة الكربون أو خاليةً منه. ولذلك فإنه يتوجب طرح مبادرات لتحقيق أهداف الاستراتيجية الأولية، عبر توجيه القطاع البحري إلى الجيل القادم من الابتكار التكنولوجي وأنواع الوقود ذو مستويات الكربون المنخفضة أو الصفريّة.
ونحو تعزيز استدامة قطاع الشحن البحري، تم إطلاق منصة "نِكست جين" الإلكترونية التفاعلية في شهر سبتمبر، وخلال "منتدى الابتكار نحو انبعاثات منخفضة وصفرية"، حيث جاءت هذه المبادرة حصيلة تعاون المنظمة البحرية الدولية وهيئة النقل البحري والموانئ في سنغافورة. واستمدت الجهات المشرفة على هذه المبادرة اسم المنصة بالإنجليزية (NextGEN) من اختصار عبارةَ "الملاحة المستقبلية الخضراء والفعالة"، وهي منصة إلكترونيةٌ تفاعليةٌ وعالميةٌ للتعاون واحتضان مبادرات إزالة الكربون في مجال الشحن البحري.
ومن الجدير بالذكر أن المنتدى الذي تعقده المنظمة البحرية الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بدعمٍ من الحكومة النرويجية يهدف إلى دعم الابتكار الحكومي والخاص لتسريع انتقال القطاع البحري إلى مستقبلٍ يتسم بمستويات منخفضة أو صفريّة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وتأتي هذه المنصة داعمة للمساعي الدولية الهادفة لمعالجة الاحتباس الحراري والتحديات البيئية. حيث قدّرت المنظمة البحرية الدولية أنّ التجارة البحرية مؤهلةٌ للاتساع بنسبة تتراوح بين 40% إلى 115% بحلول العام 2050 مقارنةً بمعدلات العام 2020. وفي الوقت الراهن، يلبّي الوقود الأحفوري 99% من الطلب على الطاقة ضمن هذا القطاع، ما يعني أنّ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عنه قد تنمو بنسبة 50 إلى 250% بحلول العام 2050، وذلك مقارنةً بمستويات العام 2008.
تسلط المنصة الضوءَ على المشاريع التعاونية الدولية بقيادة المنظمة البحرية الدولية ومراكز التعاون التكنولوجي البحري، والتي تعمل على تقديم المساعدة التقنية وإيصال التكنولوجيا وبناء القدرات لدعم أنشطة إزالة الكربون في أنشطة الشحن البحرية في الدول الجُزُريّة الصغيرة النامية والدول الأقل نمواً. بالإضافة لهذا، تجمع المنصة كافة المعنيين من حول العالم لتبادل الرؤى وتحديد الثغرات ونقاط الضعف والعمل على معالجتها. كما نظّمت الحكومة السنغافورية لقاءً افتتاحياً للمنصة خلال أسبوع سنغافورة البحريّ للعام 2021، والذي ضمّ أكثر من 70 ممثلاً عن الحكومات والقطاع البحري والمنظمات الدولية والأوساط الأكاديمية.
حتى الآن، تضم المنصة أكثر من 154 مشروعاً تتناول 13 نوعاً من الوقود المستدام، وهي تتوزع على 547 شريكاً إلى جانب عدة مناطق جغرافيةٍ ما بين أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وجزر المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي. وتركز على 4 فئات رئيسية من المبادرات وهي البنية التحتية والسفن وبناء القدرات والوقود، حيث تظهر تحت الفئة الأخيرة مثلاً مبادرةٌ حديثةٌ لتعاون ثنائي بين سنغافورة وأستراليا لتسريع انتشار الهيدروجين في العمليات البحرية والموانئ.
وفي فئة بناء القدرات، يَرِد مثالٌ عن إنشاء المركز العالمي لإزالة الكربون البحري في تعاون بين هيئة النقل البحري والموانئ في سنغافورة و6 شركاء استراتيجيين، والذي تضمنته توصيات تقرير الفريق الاستشاري الدولي الذي قُدم إلى الحكومة السنغافورية. يسعى المشروع لاستكشاف مشاريع صناعية مشتركة وتعزيز نشر الحلول، وقد جذب اهتمام عشرات المؤسسات من شركات تُعنى بالشحن والهندسة والتجارة وجمعياتٍ ومراكز أبحاث وجهاتٍ فاعلةٍ في مجال الطاقة وغيرها، وهو ما سيعمل عليه المركز لتقديم قيمةٍ حقيقيةٍ لهذا القطاع.
عبر إنشاء منصةٍ جامعةٍ لمشاريع إزالة الكربون في عالم النقل البحري، ستكون هذه المبادرة بمثابة نقطة محورية وأداة مرجعية للمهتمين والمعنيين في القطاعَين الحكومي والخاص، كما ستوفر شبكاتٍ وفرصاً جوهريةً للتعاون وتبادل المعلومات والخبرات وستسهِّل بناء القدرات.
وإذ لا يمكن خوض هذا المسعى دون تنسيق الجهود الدولية ومشاركة الممارسات وضمان تكافؤ الفرص، يمكن أن تمثل المنصة نقطة انطلاق لتحدٍّ شاملٍ يستدعي جهداً عابراً للحدود والقطاعات.
المراجع: