بات التصميم واحدًا من المفاهيم الهامة التي تقع في صميم عملية الابتكار، ولكن غالبًا ما يُساء فهمه.
بادرت الجهات المختلفة بوضع معايير محددة لعملية التصميم والتي تتمثل في أطر "التفكير التصميمي" والأدوات والآليات والمنهجيات متعددة المراحل والخطوات، الأمر الذي ساهم في تحويل عملية التصميم إلى وصفة للابتكار أكثر منها وسيلة للتفكير والتنفيذ. لقد وصل التصميم إلى مستويات لم نكن قادرين على التطلع إليها كالإدارة الحكومية على سبيل المثال، وهذا أمر رائع لكنه لا يعني أن هذه الممارسة يمكن اختصارها بصيغة واحدة؛ فالتصميم له أوجه واعتبارات كثيرة.
يوجد اليوم نهجان مختلفان تمامًا لممارسة التصميم في الجهات الحكومية. يمكننا أن نطلق على النهج الأول اسم التصميم المُيسِر، أي عندما يقوم المصممون بتيسير العملية ولكنهم لا يشاركون في النقاشات ولا يعبرون عن وجهة نظرهم. أما النهج الثاني، فهو التصميم فائق الذكاء الذي يتولى فيه المصممون دور الموجّه لا سيما في الأنشطة الإبداعية مثل الخروج بأفكار جديدة.
وتجدر الإشارة إلى أن كلًا من النهجين ينطويان على تحديات معينة. أولًا تلجأ الجهات إلى التصميم المُيسِر بناء على اعتقادها بأن التصميم يمكن تكراره من خلال صيغة ثابتة. وعلى الرغم من أن منهجيات التصميم تساهم في البدء بالتصميم وتطبيقه ضمن آلية تتضمن خطوات محددة، إلا أنه يصل لما هو أبعد من ذلك لأنه يشمل المعرفة والنقاشات المتعلقة بالعوامل الإنسانية والسلوكية وعلم الرموز وقابلية الاستخدام والتفاصيل الجمالية. ولا يمكن اختصار جميع تلك التفاصيل بنهج واحد فقط، بل يجب أن تكون أيضًا جزءًا من النقاش الدائر بين الأشخاص المعنيين وهنا يمكن للمصممين التعبير عن وجهة نظرهم بدلًا من أن يكونوا ميسرين محايدين.
ومن ناحية أخرى، يعتمد التصميم فائق الذكاء على القناعة بأن الإبداع موهبة لا يملكها سوى قلة قليلة من الناس، وبالتالي ينبغي التعامل معهم كمصدر أولي للأفكار الجيدة. وبهذه الطريقة، يهيمن المصممون على النقاش وتقتصر مشاركة البقية على مدخلات محدودة جدًا. وغالبًا ما يحدث ذلك في الجهات التي تعمل وفق تسلسل هرمي محدود حيث يتولى شخص ما الخروج بجميع الأفكار ويكون على الآخرين تحويلها إلى واقع.
يكمن التحدي المتعلق بهذين النهجين في أن التصميم ليس مجرد وسيلة فقط أو ضربًا من العبقرية؛ بل هو ممارسة مهنية تتطلب التدريب والخبرة واكتساب المعرفة حول كيفية الإبداع. يمكننا القول أننا جميعًا مصممون إذ أننا نستطيع أن نغير البيئة المحيطة بنا بقليل من الإبداع، ولكن معرفتك بالشيء لا يعني أنك قادر على تأديته باحترافية ومهنية عالية.
عملية التصميم – فوضى إبداعية
يتميز التصميم بأنه عملية غير منظمة، فهو لا يبدأ عند نقطة وينتهي عند أخرى سائرًا على نسق خطي. التصميم هو ممارسة حرّة متغيرة على الدوام ولا تتضمن تفاصيل مؤكدة أو قابلة للتكرار، وقد تكون في بعض الأحيان مفاجئة بشكل كبير. ذلك أننا عندما نبتكر شيئًا ما، فإننا نتعلم كيف تسير الأمور من خلال الاختبار والتجربة والتعديل بناءً عليها. ففي بعض الأحيان تصل الأفكار العظيمة إلى نهايات مسدودة، وفي مرات أخرى تلهمنا الأفكار البسيطة حلولًا عظيمة. إذ ترتبط عملية التصميم بالحدس الشخصي والإبداع والتقييمات الوصفية، ويعد أسلوب العمل هذا غريبًا جدًا على الأشخاص المعتادين على العمل وفق مسار خطي وبناء على المنطق والتقييمات الكمية.
وبشكل تقليدي، تضم الجهات الحكومية مؤسسات بيروقراطية تفرض أسلوبًا للعمل يتسم بدرجة عالية من التسلسل والجمود ويسير على نسق خطي. ومع دخول التصميم إلى عالم الحكومات فإنه يتحول في أغلب الأحيان إلى آلية واضحة المعالم. ولهذا السبب يحظى نهج "الماسة المزدوجة" بقبول كبير في أوساط العمل الحكومي فهو يقدم صيغة بخطوات واضحة للابتكار من خلال التصميم، رغم أن هذا ليس غايته الأساسية. وكي ننجح في تطوير ممارسة تصميمية لحل التحديات الحكومية، لن نحتاج إلى تبني منهجية محددة فحسب، بل يجب أن نُشرك خبراء في هذا المجال لترسيخ ثقافة ترحب بالتصميم والاختبار والتجربة والتعاون والخدمات والسياسات المتمحورة حول المتعاملين.
ومع إطلاق المشاريع القائمة على التصميم في الحكومة، تنشأ حاجة ملحة إلى ثقافة عمل جديدة تختلف اختلافًا كبيرًا عن العمليات البيروقراطية التقليدية. وفي بعض الأحيان، يتم تنفيذ هذه المشاريع على شكل عمليات تنطوي على خطوات متعددة وتندرج تحت أساليب العمل التقليدية مما يلغي مكان التصميم في العملية بأكملها.
ولا تقتصر مهمة المصمم على طرح منهجية (التصميم المُيسِر) أو اتخاذ جميع القرارات (التصميم فائق الذكاء) بل توضيح عملية التصميم بأسلوب يتناسب مع الموظفين الحكوميين. وبهذه الطريقة، يمكن أن يكون التصميم جزءًا من العقلية السائدة في القطاع الحكومي دون أن يكون مجرد آلية أو شعارًا رنانًا. لذا، لن يكون من المهم حقًا أن تتبع منهجية "الماسة المزدوجة double diamond" أو الآلية المكونة من عدة مراحل أو أي منهجية منظمة للتصميم طالما أنك تتعامل مع أشخاص يتمتعون بعقلية متمحورة حول المتعامل وتحرص على التعاون والتعاطف والإبداع لأنك ستنجح على كل الأحوال.
التخلص من القوالب النمطية
يتعين على الجهات الحكومية أن تطور فهمًا عميقًا لأفراد المجتمع لتتمكن من التعاطف معهم وتحقيق أقصى قدر من التأثير. بالتالي، من المهم أن يفهم الموظفون الحكوميون كيفية تطبيق التعاون القائم على المتعامل من أجل إحداث تأثير له مغزى.
يتطلب اكتساب عقلية التصميم بذل عمل شاق لأنها تتضمن تفكيك بعض النماذج الذهنية والنظر إلى العالم وفهمه بطريقة مغايرة. وهذا ما يسلط الضوء على حاجتنا إلى مصممين في الحكومة، إذ تتمثل مهمتنا في تسهيل عملية التحول وتبني التصميم كممارسة مستمرة وتطبيقه على أرض الواقع وعلى التحديات التي تواجه الجهات الحكومية.
تتطلب هذه المهمة أن يتعرف المصممون على طريقة عمل الحكومات والعكس صحيح، وأن يجربوا منهجيات التصميم المختلفة ويخرجوا بأساليب تصميم تأخذ بعين الاعتبار التحديات السياسية والاجتماعية والمؤسسية التي قد تواجهها الحكومات. وينبغي أن يتم ذلك عن طريق تبني قيم التصميم كالتعاطف والتعاون والاختبار والتجربة كأسلوب جديد في التفكير والعمل، وليس مجرد خطوات يجب اتباعها.
المصادر:
https://apolitical.co/en/solution_article/why-we-need-designers-in-government