في دولة يزيد عدد سكانها على 1.3 مليار نسمة، قد تتحول المشاكل الصحية التي تؤثر على نسبة قليلة من السكان إلى مخاوف إنسانية كبيرة. نعم نحن نتحدث عن الهند، حيث يواجه السكان تحديات صحية متنوعة بدءًا من الافتقار للكادر الطبي المؤهل وغياب الموظفين المتكرر وصولًا إلى قلة الموارد والمستلزمات.
وتؤثر أوجه القصور تلك على النساء والأطفال الصغار أكثر من غيرهم. ومن الأمثلة على المشاكل الصحية المستمرة التي يمكن تفاديها ويجب معالجتها في أقرب وقت ممكن انخفاض وزن الأطفال حديثي الولادة والتقزم لدى الأطفال بسن يقل عن ست سنوات وإصابة النساء بين 15 و49 عامًا بفقر الدم.
واليوم، ارتأت وزارة تنمية المرأة والطفل الهندية توظيف تكنولوجيا الرعاية الصحية عبر الهواتف المتحركة للتصدي لتلك التحديات. وفي هذا الإطار، أطلقت الوزارة برنامج "POSHAN Abhiyaan" بتمويل من البنك الدولي. ويهدف هذا البرنامج إلى علاج مشاكل انخفاض وزن المواليد والتقزم وفقر الدم من خلال تزويد 1.4 مليون شخص من العاملين في قطاع الصحة المجتمعية بالتكنولوجيا اللازمة لتحسين معدلات التسجيل في البرامج الصحية وتقديم الرعاية المناسبة للمجموعات الأكثر احتياجًا لها.
ورغم أن التكنولوجيا الصحية تتمتع بأهمية بالغة في تحسين الرعاية المقدمة للنساء والأطفال؛ إلا أنها تنطوي على مجموعة من التحديات التي يجب على الوزارة التغلب عليها، ومنها كيفية إدارة البرنامج وتحديثه بصفة منتظمة بالإضافة إلى تنظيم الكميات الهائلة من البيانات التي تجمعها.
نظام جديد
تمثّلت الخطوة الأولى في إصلاح منظومة الرعاية الصحية في أربع ولايات هندية من خلال التعامل مع مشكلة الوصول إلى الفئات المستهدفة. وكان السؤال الأهم: كيف يمكن للعاملين في القطاع الصحي الوصول إلى النساء والأطفال المهمشين والأكثر احتياجًا للخدمات؟
من هنا جاءت فكرة توظيف التكنولوجيا؛ حيث تستخدم برمجيات التطبيقات المشتركة التي يُطلق عليها اسم "ICDS-CAS" تطبيقًا للهواتف المتحركة ولوحة إلكترونية لتمكين العاملين في قطاع الرعاية الصحية من تسجيل جميع العائلات في نطاق اختصاصهم.
وبمجرد تسجيل بيانات العائلات، يصبح بإمكان العاملين تحديد النساء الحوامل والمُرضعات والأطفال حتى سن السادسة. ويتم التركيز على هذه الفئات كونها تعاني أكثر من غيرها من عدم كفاية الرعاية المقدمة.
ورغم أن الأمر يبدو بسيطًا، إلا أن تسجيل بيانات هذا الكم الهائل من الأشخاص كان شبه مستحيل قبل استخدام تطبيق الهاتف المتحرك والتطبيق الإلكتروني. وبفضل الجهود التي بذلتها الوزارة، يتم حاليًا تسجيل جميع النساء الحوامل والمُرضعات والأطفال تلقائيًا للحصول على المزيد من الخدمات. وبذلك يصبح لدى العاملين في قطاع الرعاية الصحية قائمة مرتبة يمكنهم الاسترشاد بها في زياراتهم الميدانية.
وبالاعتماد على البيانات الديمغرافية التي تم جمعها وتسجيلها، يتم تطوير قائمة تلقائية تتضمن الزيارات ذات الأولوية. ولدى سؤالها عن كيفية سير هذه العملية، أجابت موهيني كاك من البنك الدولي: "عندما يبلغ الطفل عمر 6 أشهر، يقوم التطبيق بتنبيه موظف الرعاية الصحية وتشجيعه على زيارة الأسرة لنُصحها بالبدء بالتغذية التكميلية للطفل. الأمر الذي يضمن القيام بالزيارات المنزلية في الوقت المناسب والتركيز على الرسائل المهمة التي تتناسب مع فترة الزيارة. "
لا تقتصر وظائف تقنية "ICDS-CAS" على تحسين قدرة العاملين في قطاع الرعاية الصحية على تقديم الخدمات المناسبة والمحددة إلى الفئات الأكثر احتياجًا لها؛ بل إنها تعالج أيضًا تحدي مراقبة الجودة بين العاملين أنفسهم وذلك من خلال تقييم أداء العاملين بسهولة وموضوعية أكبر.
علاوة على ذلك، يمكن للمدراء الاستعانة بالبيانات المجمعة لوضع مجموعة من الحوافز للعاملين في الرعاية الصحية. ومثال ذلك تخصيص مكافأة مالية في حالة التمكّن من متابعة النمو الشهري لما لا يقل عن 60% من الأطفال الأقل من عامين، وإكمال ما لا يقل عن 60% من الزيارات المنزلية الموكلة لهم.
التحديات
بالرغم من الأثر الإيجابي الكبير الذي حققته هذه التكنولوجيا على المنظومة القديمة؛ إلا أن هناك تحديات جديدة تتعلق بطبيعة هذا الأثر الإيجابي ونطاقه.
وتؤكد موهيني كاك على ذلك؛ إذ تقول بأن الوزارة المسؤولة عن المشروع لا تزال تحاول التوصل إلى طريقة لإنشاء نظام موثوق لإدارة وتحديث البرنامج الذي أصبح الكثيرون يعتمدون عليه الآن.
ينتج النظام حاليًا كميات هائلة من البيانات التي سيتم توفيرها من قبل 1.4 مليون عامل في قطاع الرعاية الصحية. وبرغم أهمية هذا التطور؛ إلا أن ابتكار آلية فاعلة لاستخدام البيانات وتسخيرها لتحسين عملية اتخاذ القرار هو بمثابة مشروع تكنولوجي جديد بحد ذاته. وللتغلب على هذا التحدي، تسعى الوزارة إلى إنشاء وحدة خاصة بتكنولوجيا المعلومات، لكن ذلك سيستغرق وقتًا طويلاً وسيتطلب استثمارًا كبيرًا لتنفيذه.
في المقابل، أصبح برنامج "POSHAN Abhiyaan" من أكبر برامج تكنولوجيا الهواتف المتحركة التي تُستخدم لغايات الصحة العامة على مستوى العالم. ولكي نسمح لهذه التكنولوجيا تحقيق أقصى إمكاناتها، لا بد من اتخاذ الخطوات الكفيلة باستخدام البيانات وإدارة التكنولوجيا على نحو أفضل.
المصدر: تم نشر المقال الأصلي بتاريخ 21 أغسطس 2019 على منصة أبوليتيكال