سعياً لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة، انطلقت السلطات الفيتنامية في مسعى طموحٍ لبناء سلسلةٍ من المدن الذكية، أبرزُها في العاصمة هانوي، ومدينة هو تشي مينه، اللتان تقدّمان الخدمات العامة إلكترونياً، بينما وضعت معظم المدن والبلدات الأخرى خططَها للتحوُّل الرقميّ الشامل.
على نحوٍ متسارع، تتجه الحكومات اليوم إلى إدماج التكنولوجيا في كلّ جوانب الحياة، وبدأت مختلف المدن بمحاولة فهم كيف يمكن للتقانة والاتصال الذكيّ حلُّ مشكلات العالم الحقيقيّ وتحسينُ نوعية الحياة وزيادةُ كفاءة استخدام الطاقة والموارد الطبيعية. وانطلاقاً من هذا الفهم، وُلدت فكرة المدينة الذكية.
لم تكن فيتنام استثناءً في هذا السباق، خاصةً وأنّ مدنَها حيوية ومكتظة بالسكان، حيث تدير حكومتُها اقتصاداً سريع النمو، وهذا– بقدرِ ما له من آثارٍ إيجابية– غالباً ما يفرض تحدياتٍ معقّدةً على صنّاع السياسات. فحين شهد التوسّع الحَضَريّ نمواً بنسبةٍ لا تقلّ عن 33% خلال أقلّ من عشرين عام، تجاوزَ عدد المناطق الحَضَرية 830 منطقة، بمتوسّط نموٍّ اقتصاديٍّ فاقَ 15%، أي ضعفَي المتوسّط الوطنيّ. ومع هذا النمو، تزايد الضغط على الخدمات ومنظومة النقل، وارتفعت معدّلات التلوّث، وتضاعفت الاحتياجات إلى فرصٍ اقتصاديةٍ أوسع، ومعها مشكلات الحياة المعاصرة.
لتستجيب الحكومة لمختلف هذه الأولويات، جعلت التحوّل الرقميّ ركيزةً أساسيةً لاستراتيجياتها التنموية وأقرّت هدفها لتحقيق التنمية المستدامة للمناطق الحَضَرية بحلول العام 2030، ضمن رؤيةٍ تستمرّ حتى العام 2045.
بَنَت الحكومة هذه الرؤية على قناعةٍ بأنّ نشرَ التحوّل الرقميّ بالمعنى الحقيقيّ يعني تطوُّراً فعّالاً للمدينة الذكية. وعليه، اعتمدت استراتيجية فيتنام على 3 ركائز أساسية، وهي الحوكمة الرقميّة والاقتصاد الرقميّ والمجتمع الرقميّ، حيث يجري تطوير نظامٍ موحَّد لمشاركة البيانات لاستخدامه في كلّ أرجاء البلاد.
وقد احتلّت الحوكمةُ الصدارةَ نظراً لطبيعة عمليات التطوير الحكوميّ التي تسعى فيتنام لتسريعِها بعد أن وضعت 59 إدارةً محليةً خططها الخمسية للتحوّل الرقميّ، وهذا يغطي معظمَ الوحدات الإدارية الفيتنامية البالغِ عددُها 63 موزّعةً بين مدينةٍ ومقاطعة، كما أنّ 41 منها تطوِّر خدماتٍ ذكيةً خاصةً بها مثل تطبيقات السياحة وحركة المرور والتوصيل والأمن والتعليم والرعاية الصحية. وقد مُوِّلَت كلّ هذه المشاريع من مصادر مختلفة ضمن المجتمعات المحلية أو من الجهات المُقرِضة.
لكنّ أبرزَ مشاريع الرقمنة التي حملها العام 2022 كان تطويرَ قاعدة البيانات السكانية وتطبيقات التعريف والمصادقة الإلكترونيَين، حيث أُعلِنَ عن هذا المشروع الذي سيستمر حتى العام 2025، والذي يستهدف إنجاز الإجراءات الإدارية وتقديم الخدمات العامة عبر الإنترنت عن طريق تزويد البطاقات الشخصية للمواطنين بشرائح إلكترونيةٍ تعريفية، إذ سيكون هذا موضوع التركيز الأساسي لجهود هذا العام. وبمجرد تمكين التعرّف الإلكترونيّ على جميع المواطنين، سيجري ربطُهم بقواعد البيانات الضريبية وإدخال مستنداتهم الورقية الشخصية بما فيها بطاقات التأمين ورخص القيادة وتراخيص العمل وشهادات التطعيم إلى بطاقاتهم الشخصية.
وقد قطعت العاصمة هانوي شوطاً كبيراً في التحوّل إلى مدينةٍ ذكية، حيث أطلقت بوابة الخدمات العامة الوطنية التي تغطّي الوظائف والأقسام الحكومية بالكامل، مصحوبةً بنظام الإدارة الإلكترونية لحركة المرور، وتطبيقٍ ذكيّ لمواقف السيارات، وآخرَ للسجلات الصحية، وثالث لإدارة الضرائب، وغيرها.
إلى جانب هانوي، بدأت مدينة هو تشي مينه رحلتَها في العام 2017، ووضعت سلطاتُها خطةً تمتدّ لـ 7 سنوات للتحوّل إلى مدينةٍ ذكية تحتضن 10 ملايين نسمة، فانكبّت الجهود على بناء قواعد البيانات، والتعافي الاقتصادي ما بعد جائحة كوفيد-19، وتعزيز التفاعل بين الحكومة والسكان، وتسريع رقمنة القطاعات الحيوية كالرعاية الصحية والتعليم والنقل والتعليم والبيئة التي تستخدم بالفعل عدة تطبيقات لخدمة المواطنين وتستخدم المنصة المتكاملة لمشاركة البيانات مع أكثر من 900 كيانٍ آخر من المؤسسات الحكومية والشركات التجارية وغير التجارية. ولمساعدة هذه الشركات على تحقيق التحوّل الرقميّ، تخطط سلطات المدينة لإنشاء مركزَين على الأقلّ للابتكار التكنولوجيّ لمشاركة الحلول الرقمية ونتائج الأبحاث، وبناء المعرفة الرقميّة، وتعزيز سلاسل التوريد.
على أية حال، فإنَّ تحدياتٍ عديدةً تنتظر المدينة، وكذلك عملٌ كثير، نظراً لكثرة المتطلّبات التشريعية، إذ سيتعيّن على الحكومة بقطاعاتها المختلفة وضع لوائحَ وسياساتٍ جديدةً تَنظُمُ عمليات مشاركة البيانات، ويوصي الخبراء بمقاربة هذا التحدي عبر وضع مخططٍ يشمل جميع المدن.
الأمر نفسُه ينطبق على العاصمة، ففي العام 2020، وضعها مؤشر الإصلاح الإداريّ العام في المرتبة الثامنة بعد أن كانت الثانية في العام السابق، إذ ما يزال عليها معالجة قضايا الموارد البشرية والازدحام المروريّ والتلوث البيئيّ وغيرها.
بصورةٍ عامة، تواجه فيتنام التحديات المشتركة التي تعوق تحقيق التنمية المستدامة عالمياً، مثل تغيّر المناخ وخطر انتشار الأوبئة، ولهذا ترى وزارة الإعلام والاتصالات أنّ أياً من المدن لم تحقّق بعدُ التقدّمَ المطلوب، ولا بدّ من مواصلة البحث لتطوير التقنيات وإرساء آليات العمل المتينة، فمن شأن التكنولوجيا – إذا ما صارت جزءاً من قوام العمل الحكوميّ – أن تسرّع الإصلاح الإداريّ وتزيدَ الشفافية في عمل مؤسسات الدولة.
بدورها، تؤسّس مراكز الابتكار بيئاتٍ عملٍ فعالةً للشركات الكبيرة والصغيرة والناشئة لتطوير المنتجات والحصول على التمويل والتواصل مع الشركاء العالميين.
ولا تقتصر مشاريع المدن الذكية على مقاربة التحديات الملحّة، بل وتسعى لتحقيق التنميتَين الاقتصادية والاجتماعية وكفاءة الطاقة وزيادة معدّلات السلامة والرفاهية.
المراجع:
- https://vietnamnet.vn/en/smart-city-challenges-vietnamese-govt-and-localities-574807.html
- https://english.mic.gov.vn/Pages/TinTuc/154069/41-localities-in-Vietnam-develop–smart-cities-.html
- https://hanoitimes.vn/hanoi-completes-core-components-of-smart-city-319576.html
- https://en.vietnamplus.vn/hcm-city-targets-comprehensive-digitisation/222730.vnp
- https://en.nhandan.vn/population-database-to-be-optimised-for-national-digital-transformation-post109391.html