لتحسين تجربة الدرّاجين وتعزيز سلامتهم، أطلق مجلس مدينة غلاسكو ابتكارين ذكيين، يستهدفان طلاب المدارس وراكبي الدراجات الهوائية، فيوجدان طرائق جديدةً لحمايتهم عبر تكييف حركة المرور لتتناسب مع حركتهم.
خلال السنوات الأخيرة، ترسّخ ركوب الدراجات الهوائية كاتجاهٍ عالميٍّ بارز، خاصةً بعد جائحة كوفيد-19 التي أجبرت الجميع على إعادة التفكير في نمط الحياة الحَضَريّ، حيث تسببت قوانين التباعد الاجتماعي والخوف من العدوى بين الناس بابتعاد العديد عن وسائل النقل الجماعي، مما أدى إلى ارتفاع نسبة راكبي الدراجات الهوائية في المدن. ولكن بعد الإنحدار التدريجي لنسب العدوى وما رافق ذلك من تخفيف القيود على تحركات الجموع، طابت للكثيرين فكرة الاستمرار بركوب الدراجات الهوائية كوسيلة للتنقل داخل المدن. لهذا، تسعى الحكومات والبلديات في المدن التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة الدرّاجين لاستبدال الاعتماد على السيارات بالدراجات وتعزيز ما يسمى بـ “التنقّل النشط”.
في غلاسكو الإسكتلندية، يعمل مجلس المدينة صوبَ هذا الهدف منذ 12 عاماً ويجري إحصاءاتٍ سنويةً لأعداد الدرّاجين والمشاة الذين يمرّون بمركز المدينة. وفي حين كانت أعداد هاتين الفئتين تحقق زيادة سنويةً بنسبة 14%، فقد رفعت جائحة كوفيد-19 هذه النسبة إلى 31% خلال عامٍ واحد، وفقاً لإحصائيات العام 2021، التي بيّنت أيضاً أنّ أكثر من نصف الإسكتلنديين يرغبون بزيادة الإنفاق الحكوميّ على البنى التحتية الخاصة بالمشاة والدرّاجين. ولكن الإحصائيات وضّحت أيضاً أنّ نسبة الرجال الدرّاجين أكثر من ضعف نسبة النساء، حيث أن 61% منهنّ لا يرينَ في ركوب الدراجات نشاطاً آمناً.
تأتي أرقام وزارة النقل لتؤكد مخاوفهنّ، فقد وقعت 500 حادثةٍ مروريةٍ للدراجين خلال 5 سنواتٍ فقط، وخاصةً في طريقَين صنّفتهما البلدية على أنهما أخطر مناطق المدينة لركوب الدراجات، وهذا ما تدعمه سجلات وزارة الصحة للأفراد الذين أُحيلوا إلى المستشفيات نتيجة هذه الحوادث، حيث كانت أعداد راكبي الدراجات بينهم أكثر من أعداد المشاة.
لزيادة معدّلات السلامة، عمل مجلس المدينة على ابتكارين جديدَين يستخدمان التكنولوجيا الرقمية في إدارة حركة المرور. يحمل الابتكار الأول اسم “نظام الدراجات فائق الذكاء”، وهو يركّز على أطفال المدارس الذين يستخدمون الدراجات المدرسية الجماعية، فيقوم بإيقاف حركة المرور لتمكينهم من العبور بأمان. وتُعرف وسيلة النقل هذه أيضاً باسم “قافلة الدراجات”، وهي إما أن تكون دراجةً كبيرةً تسير بدوران أكثر من عجليتن بحيث يشارك الركاب في تسييرها، أو مجموعةً من الدراجات التي تسير معاً بشكل قافلة، والتي أصبحت نشاطاً أسبوعياً في بعض مدارس المملكة المتحدة واستبدلت حافلات المدارس التقليدية.
قام مجلس المدينة بالتعاون مع أحد مقدميّ الحلول الذكية بتطوير فكرةَ النظام من تقنية الاستشعار المُستخدمة على عدة تقاطعاتٍ ضمن غلاسكو، إلا أنّه يرسل تنبيهاتٍ لاسلكيةً من الدراجة نفسها أثناء سيرِها عبر جهازٍ مُثبتٍ على متنِها ومتصلٍ بوحدة تحكّمٍ يتم تركيبُها على إشارة المرور المبرمجة مسبقاً للعمل في ساعات محددة. وعند اقتراب الأطفال من أيّ تقاطع، يرسل الجهاز إشارةً مشفّرةً تُستخدم عادةً في المركبات العسكرية، تنتقل فوراً إلى إشارات المرور التي توقف السير لـ 45 ثانية.
وقد خضع النظام لسلسلةٍ من التجارب أولاً قبل أن يدخل حيز العمل بشكلٍ رسميّ على تقاطعٍ في بلدة “شولاندز” يمرّ فيه طلاب المدارس على متن دراجاتهم كلّ يوم جمعة.
أما المشروع الثاني فيستهدف جميع راكبي الدراجات، ويسعى إلى تقليل احتمالات وقوع تصادمات بين مستخدمي الطرق ذات خطوط الرؤية الضعيفة.
ضمن برنامج التنقُّل النشط، اختار مجلس المدينة 14 موقعاً لتركيب خطوط من أجهزة الاستشعار الذكية التي ترصد أية حركةٍ تمرّ فوقَها وتقوم بقياس الضغط الناتج عنها، فتحدِّد ما إذا كانت دراجةً هوائيةً، أو ناريةً أو عربة أطفالٍ أو أيّة وسيلة نقل ذات عجلات، وترسل إشعاراً إلى وحدة مراقبة الدراجات. وعند عبور دراجة، ينبّه النظام السائقين تلقائياً لتخفيف السرعة أو التوقف وتفادي الاصطدام عبر إضاءة المصباح الثنائي الباعث للضوء الذي يعمل بالطاقة الشمسية.
تأتي هذه المشاريع ضمن طموح الحكومة الإسكتلندية لجعل أنماط التنقّل النشط عنصراً أساسياً في منظومتها وسياساتها والحياة اليومية لمواطنيها، وقد صمَّمت عدة برامج لخدمة هذا الهدف، مثل تقديم الدراجات المجانية لطلاب المدارس الذين لا تستطيع عائلاتُهم تحمُّلَ كلفة شرائها، وإطلاق مشروع “مساحات للناس” بهدف توفير ممراتٍ موسَّعةٍ للمشاة وأخرى منفصلةٍ للدراجات لتسهيل التباعد الماديّ في الأماكن العامة.
وقد بُنيت هذه المبادرات على ما أسّسته جهود مجلس المدينة سابقاً كمشروع نشر الدراجات الهوائية وإتاحتها للعامة قبيلَ بدء دورة ألعاب الكومنولث للعام 2014، حيث أطلق المجلسُ “المشروعَ المؤتمت لتأجير الدراجات” فنشر 400 دراجةً للاستئجار في 31 موقعٍ عبر المدينة، بالإضافة إلى 6 مواقعَ إضافيةٍ مؤقتة مجاورةٍ للملاعب التي أقيمت فيها فعاليات دورة الألعاب. ومنذ ذلك الحين، يحافظ المجلس على زيادةٍ سنويةٍ في أعداد الدراجات ومواقع استئجارها، كما أضاف إليها لاحقاً الدراجات الإلكترونية.
ما يزال مشروع تأمين طريق طلاب المدارس في مرحلته التجريبية، لكنّ النموذج التجريبيّ لمشروع التنقّل النشط قد أظهر انخفاضاً ملحوظاً في وتيرة المشاحنات بين السائقين وراكبي الدراجات، لا سيما عند التقاطعات.
وعلى مستوى أوسع، فإنّ تعزيز الأمان يعني زيادة الإقبال على استخدام الدراجات، وهذا يعود بفوائد أبعد بمراحل، كتحسين الصحة العامة بممارسة رياضةٍ يومية، والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تتسبّب بها السيارات والحافلات، ما سيخدم بدوره الالتزامات السياسية للحكومة الإسكتلندية إزاء قضية تغير المناخ.
المراجع:
- https://www.understandingglasgow.com/indicators/transport/road_casualties/adult_road_casualties/cyclists_and_pedestrians
- https://www.glasgow.gov.uk/index.aspx?articleid=29605
- https://www.glasgowlive.co.uk/news/glasgow-first-introduce-electronic-signs-25231981
- https://www.ukauthority.com/articles/glasgow-installs-sensor-activated-cycle-warnings/
- https://www.transport.gov.scot/news/funding-boost-for-walking-wheeling-and-cycling/
- https://glasgow.gov.uk/spacesforpeople